يعد المرض نادرا إذا أصاب واحدا من كل 2000 شخص من السكان، فكثير من هذه الأمراض النادرة أمراض وراثية وتظهر منذ الولادة، وبالرغم من ذلك بعض الأمراض الوراثية لا تظهر إلا في وقت متأخر. هذه الأمراض مجتمعة تشكل عبئا ثقيلا وتؤثر في المجتمعات بشكل كبير وواضح؛ لذلك فإن الأمراض النادرة هي من شؤون الصحة العامة. وقد خصصت الأمم المتحدة يوما لهذا المرض وقد بدأ الاحتفال باليوم العالمي للأمراض النادرة عام 2008، وهو اليوم الأخير من فبراير من كل عام. فماذا نقصد بالأمراض النادرة؟ وكيف تفتك بالإنسان؟ وماهو دور الطبيب لمواجهتها؟ أسئلة وغيرها طرحنا على الدكتورة خديجة اختصاصية في الطب الباطني وأمراض الشيخوخة ونائبة رئيس الجمعية المغربية للحمى المتوسطية العائلية..
ماذا نقصد بالأمراض النادرة؟
بداية أحب أن أشير إلى أن الأمراض النادرة تعرف بأنها تؤثر على أقل من واحد من 2000 شخص، وحتى الآن تم تحديد أكثر من 7000 مرض نادر وكل عام يوصف 200 إلى 300 مرض نادر جديد. رغم أن كل مرض لا يؤثر إلا على أقلية من الأفراد، لكن تنوعها و كثرتها تجعل العدد الإجمالي للأشخاص الذين يعانون من جرائها يتجاوز عدد مرضى السرطان. تعني هاته الأمراض ما يقارب 1 من كل 20 شخص أي ما يعادل 5٪ من سكان العالم وحوالي مليون ونصف مليون مغربي.
هل هذه الأمراض خطيرة؟
غالبا ما تكون الأمراض النادرة أمراضا مزمنة، وتقدمية وعادة ما تكون أيضا شديدة وجدية وتهدد حياة المصاب بها. إذ أن 80٪ من الأمراض النادرة لديها تأثير مباشر على متوسط العمر المتوقع، وفي أكثر من 65٪ هنالك مشقة كبيرة وعجز في الحياة اليومية وفقدان كامل للاستقلالية في 9٪ من الحالات.
ماهي علامات الأمراض المزمنة؟
تتميز الأمراض النادرة بغاية تنوعها بين أشكال عصبية عضلية، أمراض استقلابية، أمراض تعفنية، وبعض أمراض المناعة الذاتية و سرطانية – لكن 80% من هذه الأمراض لها سبب وراثي جيني و3 من 4 مرض نادر يبدأ في الظهور في مرحلة الطفولة، ولكن مع إمكانية بروزه حتى سن الثلاثين، أو الأربعين أو ما فوق سن الخمسين بعد مدة طويلة من الاختباء.
هاته الأمراض النادرة قد تفقد البصر إذا كان هنالك تدهور لشبكة العين، أو تجعل التنفس عسيرا مثلا في حالة التليف الكيسي، أو تضعف مقاومة التعفن كما في عجز المناعة الأولي أو تسبب مشاكل في تجلط الدم كما هو الحال في الهيموفيليا (الناعور) ، ومن الممكن كذلك أن تعيق النمو والبلوغ، كما هو الأمر في متلازمة تيرنر المرتبطة بغياب أو خلل في واحد من كلتا الكروموسومات الجنسية الأنثوية.
أمراض نادرة أخرى تسبب تسارعا في الشيخوخة أو الشياخ، المرض الذي لا يفوق عدد حامليه المائة في العالم برمته؛ أو كسورا متكررة (مرض العظام الزجاجية)، أو تحولا للعضلات إلى عظام (مرض الإنسان المتحجر) الذي لم يحص منه في مجموع العالم إلا 2500 مصاب. في حالة وجود اضطرابات في المشي مع ذاكرة مترددة، وسلوك أحيانا يكون غير ملائم مع التقاليد الاجتماعية وصعوبة في السيطرة على المثانة يجب البحث عن احتمال وجود استسقاء الرأس دو الضغط غير المرتفع الناتج عن تراكم السائل النخاعي في الدماغ، المرض الذي يؤثر على الأشخاص ما فوق 60 سنة. من الممكن أن يكون فقر الدم له علاقة بالأمراض النادرة بما يعرف بالثلاسيميا الذي يكمن في خلل في شكل خلايا الدم الحمراء. من بين الأمراض النادرة جدا حثل المادة البيضاء الذي يودي إلى شلل تدريجي لجميع وظائف الجسم ومرض هنتنغتون المسبب لحركات لا إرادية لا يمكن للمريض السيطرة عليها مع ضعف فكري تدريجي يصل في النهاية إلى الخرف.
بعض أمراض النادرة لها علاقة بالمناعة الذاتية أي أن الجهاز المناعي الذي من المفترض أن يحمينا من العدوان الخارجي كاختراق الجسم بالبكتيريا والفيروسات، ينقلب ضدنا في عملية تشبه التدمير الذاتي. وهاته الأمراض قادرة على التعامل مع جميع الأجهزة وتشمل: الوهن الذي يتميز بضعف متردد للعضلات مثير للقلق ومعيق للحركات، التهاب الأوعية الدموية الناتج عن مهاجمة جدرانها، الذئبية الحمراء..
أخيرا، هناك أمراض شائعة لكن لديها متغيرات نادرة مثل مرض الذرب الغير الاستوائي الذي يمكن أن يعقد الداء الزلاقي.
كيف يتم تشخيص مثل هذه الأمراض؟
هنالك اختبارات تشخيصية لهاته الأمراض وبالأخص جينية وبيولوجية، فضلا عن خروج إلى الوجود لمجموعة من العلاجات المعقدة ولكنها ضرورية. هذه الوسائل والعلاجات محدودة وصعبة الحصول والاستعمال مع تكلفتها الباهظة مثل عملية زرع نخاع العظم. في بعض الأحيان تكون الأدوية مسماة باليتيمة، لأن عدد المرضى الذين هم بحاجة لها محدود وأرباحها من الناحية المالية لا تقاس إلا على المدى الطويل. لكن مع ذلك في آخر المطاف، فإن التشخيص والعلاج المناسب رغم كلفتهما، إلا أنهما يبقيان أرخص من تكلفة العلاجات غير الملائمة المأخوذة طوال الحياة وتنقل المرضى غير المشخصين. لذلك نظرا لكل هاته الاعتبارات فلا بد من الاعتراف الآن في المغرب على غرار الدول الأوروبية بالأمراض النادرة واعتبارها من أولويات الصحة العامة، ووضع خطة وطنية لها مع صياغة الأهداف المراد تحقيقها والتدابير المزمع أخذها، بما في ذلك مجالات التكوين الطبي والتوجيه للمرضى ورعايتهم الصحي.
نريد أن نعرف أكثر عن المشكلات الصحية التي يعانيها المصابون بأمراض نادرة؟
أولا صعوبة الوصول إلى تشخيص دقيق وصحيح للحالة. وتأخر تشخيص الحالات المصابة بالأمراض النادرة. ونقص وصعوبة الحصول على المعلومات الطبية والعلمية الخاصة بالأمراض النادرة. محدودية الخيارات العلاجية المتوافرة حاليا لعلاج هذه الأمراض. وصعوبة الحصول على طبيب أو مركز علاجي ذي خبرة في علاج الأمراض النادرة على وجه الخصوص. ثم أن العلاج يكون باهظ التكلفة مقارنة مع تكاليف علاج الأمراض الشائعة. أيضا يعانون من صعوبة الحصول على الخدمات الطبية، الاجتماعية، أو الخدمات المالية، أو المساعدة بشكل عام؛ لأن الطبيب العام والمتابع لهؤلاء المرضى ليسوا على دراية كافية بهذه الأمراض. وقد يعاني المريض وعائلته اجتماعيا مما يؤثر سلبا عليه.
ماهي نصيحتكم كأطباء لدعم المريض وتطوير العناية الصحية به؟
تنفيذ برامج شاملة للأمراض النادرة، وتطوير سياسات ملائمة للصحة العامة، وزيادة التعاون الدولي في مجال البحث العلمي، واكتساب وتقاسم المعارف العلمية عن جميع الأمراض النادرة، وليس فقط الأكثر انتشارا.. وتطوير الإجراءات التشخيصية والعلاجية الجديدة. ورفع مستوى الوعي العام بالأمراض النادرة. وتيسير التواصل بين مجموعات المرضى لتبادل الخبرات والممارسات الفعالة، ودعم المرضى الأكثر عزلة وأولياء أمورهم لتوفير مجتمعات جديدة للمريض. وتوفير المعلومات للجودة الشاملة للمجتمع حول المرض النادر. وسن تشريعات لصالح الأمراض النادرة مثل دعم البحوث الطبية وتوفير الدعم المادي للمريض وأسرته. وتقديم حوافز للشركات لتطوير علاجات للأمراض النادرة. كما أن التضامن والتعاون جزء مهم وفعال في مجال دعم مرضى الأمراض النادرة، وذلك يكون على مستويات عدة منها: التضامن على مستوى المرضى. والتضامن على مستوى المرض. والتضامن على مستوى مقدمي الرعاية الصحية، والمتخصصين والمرضى.. والتضامن على مستوى الباحثين ومصانع الأدوية وصناع القرار. والتضامن على مستوى الدول.