الخذلان...ح خيبة الروح حين يخذلها الأمان
في ركن ما من القلب، حيث تسكن الطمأنينة وتتمدد الثقة مثل طفل غاف على كتف أمه، يحدث الخذلان. لا يطرق الباب، ولا يستأذن ولا يمهلنا حتى نجمع فتات توقعاتنا. فقط يدخل، كريح أو كصاعقة تقتحم المنازل تكسر زجاج النوافذ، ويهدم ما بناه القلب من اطمئنان وأمل.
الخذلان ليس مجرد كلمة تقال، بل هو شعور عميق يعتصر القلب ويترك ندوبا لا تمحى بسهولة إنه ذلك الإحساس القاسي الذي ينتابنا عندما نكتشف أن من وضعنا فيهم ثقتنا، وخبأنا فيهم أسرارنا، وأعطيناهم جزءا من أرواحنا، قد خذلونا في لحظة كنا في أمس الحاجة إليهم، كم من مرة آمنا بأننا محاطون بالأوفياء، فإذا بالمواقف تكشف أن من ظنناهم سندا كانوا أول من خف ظلهم في الظل، وأسرع من غادروا حين أظلمت الطرقات.
الخذلان لا يأتينا من بعيد فلا يكسرنا عابر أو طارق بل يأتي من القلب، من الوجوه التي أحببناها، من الأسماء التي حفظناها في سجلات الدعاء، من الضحكات التي اقتسمناها، والدموع التي مسحناها عن وجوه غيرنا يأتي الخذلان من الداخل، وأنا أكتب سطور كلمات تخذلني المشاعر لتصف قساوة وقع الموقف.
الخذلان لا يطرق الأبواب..
كانت ريم تمشي دائما بخطى هادئة، كأنها تخشى أن تزعج العالم بصوت كعبها. كانت تؤمن أن النوايا الطيّبة تشفع، وأن الصدق يحمي، وأن الحب يُغفر له كل شيء... لكن الحياة لا تُدار بتلك البساطة.
أحبت ياسر كمن يضع قلبه على الطاولة دون مفاوضات. أعطته وقتها، أسرارها، وضحكتها التي لم تمنح لأحد غيره. كانت تصدق كل حرف، كل وعد، حتى تلك الوعود التي قالها وهو يلهو بهاتفه دون أن ينظر في عينيها.
وفي إحدى الليالي، وصلها الخبر كرصاصة بدون صوت: ياسر خطب غيرها..
لا تذكر كيف انزلقت الكأس من يدها، ولا متى انطفأ ضوء عينيها، كل ما تعرفه أنها صمتت طويلا… ثم ضحكت. نعم، ضحكت. ضحكة واحدة حادة كالسكاكين، كأنها تودع شيئا بداخلها انكسر ولن يجبر..
في اليوم التالي، خلعت كل ما يشبهها. قصت شعرها الطويل الذي كان يذوب فيه حين يلامس كتفها، وارتدت الأسود، لا حدادا عليه، بل على السذاجة التي ماتت داخلها، تذكرت مقولة الروائية أحلام مستاغنمي « الأسود يليق بك «الخذلان أن تأتيك الطعنة من حيث منحت الأمان... أن يتحول العناق إلى خنجر»