الفرجة أكثر من الممارسة: قراءة تحليلية لظاهرة العلاقة بين المغاربة والرياضة
تشهد الساحة الرياضية في المغرب مفارقة بارزة:
-شغف جماهيري هائل اتجاه المنافسات الرياضية، خصوصاً كرة القدم، يتجسد في امتلاء الملاعب وملايين المتابعين عبر الشاشات،
-مقابل ضعف ملموس في نسب المشاركة الفعلية في ممارسة الرياضة، خاصة لدى فئات الشباب والشابات.
هذه المفارقة تطرح إشكالية تستحق الوقوف عندها:
- لماذا يختار المغاربة الفرجة أكثر من الممارسة؟ وما انعكاسات ذلك على الصحة العامة والمجتمع؟
- إطار مفاهيمي وسياق واقعي:
الفرجة الرياضية تعني استهلاك الرياضة كمنتج ثقافي وترفيهي عبر المشاهدة والحضور والتشجيع، أما الممارسة الرياضية فتعني الانخراط الجسدي المنتظم في نشاط بدني.
التقارير الوطنية والدولية تؤكد أن المغرب من الدول التي تعاني من نسب مرتفعة للخمول البدني، حيث إن نسبة مهمة من المراهقين والشباب لا تمارس الرياضة بشكل كاف، بينما يقضون وقتاً طويلاً أمام الشاشات.
- جذور الظاهرة:
لماذا الفرجة أكثر جاذبية من الممارسة؟
- كرة القدم كرمز ثقافي واجتماعي:
كرة القدم ليست مجرد لعبة في المغرب؛ بل رمز للهوية والانتماء المحلي والوطني.
الملاعب تحولت إلى فضاءات اجتماعية وطقوس جماعية تجذب الآلاف من المشجعين، ما يجعل الفرجة أكثر إشباعاً للشعور الجماعي من الممارسة الفردية.
- اختلال البنية التحتية:
الاستثمار الكبير في ملاعب كبرى ومناسبات دولية لم يواكبه توزيع عادل لملاعب القرب والصالات الرياضية في الأحياء، مما يضعف فرص الممارسة اليومية، بينما المشاهدة تبقى في متناول الجميع.
- العوامل الاقتصادية والاجتماعية؛
تكاليف الانخراط في النوادي، شراء المعدات، وضيق الوقت بسبب الدراسة والعمل كلها تجعل الممارسة أصعب، في حين تبقى الفرجة أسهل وأرخص.
- الفوارق الفئوية والثقافية:
المجتمع يفرض قيوداً ثقافية على مشاركة النساء في الرياضة، ما يعمق الفجوة بين الذكور والإناث، ويزيد من طغيان الفرجة على الممارسة.
- الإعلام والتسويق الرياضي:
القنوات التلفزية، الرعاة الاعلاميون والإعلام الرياضي يستثمرون في تكثيف الفرجة وتسليعها، عبر البث المباشر والتحليلات والتغطية المستمرة، بينما لا يُستثمر بالقدر الكافي في تحفيز الممارسة الشعبية.
- تأثير الرقمنة:
وسائل التواصل الاجتماعي والبث الرقمي جعلت المباريات في متناول الجميع، لكنها عززت نمط حياة خامل يعتمد على المشاهدة أكثر من النشاط البدني.
* تبعات الظاهرة:
-على الصحة العامة:
ضعف النشاط البدني يزيد من نسب السمنة والأمراض المزمنة (القلب والشرايين والسكري و أمراض أخرى)، ويؤثر على الصحة النفسية خاصة لدى الشباب.
- على المجتمع والسياسة:
الملاعب أصبحت فضاءات للتعبير الاجتماعي والسياسي، خصوصاً عبر مجموعات الألتراس، لكنها بقيت مرتبطة بالفرجة لا بالممارسة المنتظمة.
على الاقتصاد الرياضي:
التركيز على الاستحقاقات الكبرى يحقق عوائد سياحية وإعلامية، لكنه لا يخدم قاعدة الممارسين، وبالتالي لا يحقق التنمية الرياضية المتوازنة.
* العوامل المعيقة للممارسة اليومية:
- نقص ملاعب وقاعات القرب.
- ضعف برامج التربية البدنية في المدارس.
- التكاليف المرتفعة للنوادي والمعدات.
* العوائق الثقافية خصوصاً بالنسبة للنساء:
- هيمنة الإعلام التجاري الذي يركز على الفرجة.
-ارتفاع معدلات الجلوس أمام الشاشات.
* توصيات عملية:
- توسيع شبكة بنيات القرب الرياضية في الأحياء الشعبية.
- تقوية التربية البدنية المدرسية وإدماجها في السياسات العمومية.
- وحملات تحسيسية تستهدف الأسر والفتيات لتشجيع الممارسة.
- دعم مالي للأندية المحلية لتخفيض تكاليف الانخراط.
- استخدام التكنولوجيا إيجابياً عبر تطبيقات تحفز النشاط البدني.
- إشراك الألتراس والمجتمع المدني في مشاريع رياضية واجتماعية.
إن هيمنة ثقافة الفرجة الرياضية في المغرب تعكس تداخل عوامل تاريخية واجتماعية واقتصادية.
لكن تحويل هذا الشغف الجماعي إلى ممارسة فعلية ممكن إذا توفرت سياسات شاملة تراهن على المدرسة، البنية التحتية المحلية، والتغيير الثقافي.
فالمغرب بحاجة إلى نقل الرياضة من مجرد عرض جماهيري إلى سلوك يومي يعود بالنفع على الصحة العامة والتماسك الاجتماعي.
المراجع:
* منظمة الصحة العالمية. الملف القطري للنشاط البدني – المغرب (2022).
* بنعيسى ف وآخرون. العادات الغذائية والنشاط البدني لدى المراهقين المغاربة، دراسة ميدانية .
* موقع MERIP. الشباب المهمش في المغرب وصعود مجموعات الألتراس الكروية.
* المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. تقرير حول السياسات الرياضية بالمغرب.
* دراسة منشورة في PubMed: عوامل مرتبطة بالممارسة الرياضية في المغرب.