حسام حسين لبش: «المشهد الممنوع» سيقول ما لم يُقَل… والكلمة ما زالت بطلة المشهد الإعلامي
بين دفتي الصحافة وأضواء السينما، يمشي حسام حسين لبش بخطى يعرف أصحابها تماما إلى أين يتجهون. بدأ من دار الصدى الإماراتية عام 2005، ثم تولى إدارة مكتب روتانا في دبي عام 2012، ليصبح لاحقا رئيس تحرير الإمارات نيوز منذ 2016. ومع كل مرحلة، كانت الكلمة تفتح له بابا نحو عالم جديد، إلى أن قرر أن ينتقل من "الخبر" إلى "المشهد"، مؤسسا شركة سراب للإنتاج والتوزيع الفني عام 2020، التي أطلقت أعمالا ناجحة مثل فيلم «فيك أب» ومسلسل «بنات الماريونيت».
لكن يبدو أن القادم مختلف، إذ يستعد لبش لإنتاج فيلم إماراتي جديد في أبوظبي، إلى جانب مشروعه السينمائي الأحدث «المشهد الممنوع»، وهو عمل كوميدي ساخر من نوع “الكوميديا السوداء” يصور في سوريا.
بين الصحافة والسينما، بين الكلمة والصورة، يحدثنا لبش عن الرحلة، الرسالة، والمشهد القادم.
في بداياتك في دار الصدى، هل كنت تتوقع أن تصل إلى هذا التنوع بين الصحافة والإنتاج السينمائي؟
بصراحة، لم تكن المسألة تخطيطا بقدر ما كانت شغفا دائما بالكلمة. في دار الصدى تعلمت أن الصحافة ليست مجرد نقل خبر، بل مسؤولية فكرية وأخلاقية. كنت أعيش كل خبر أكتبه وكأنه مشهد سينمائي. ربما لهذا السبب كان الانتقال لاحقا إلى عالم الإنتاج طبيعيا. الصحافة منحتني الرؤية، والإنتاج منحني الصورة.
من الصحافة إلى الكاميرا… هل وجدت اختلافا كبيرا في طريقة التعبير بين الكلمة والمشهد؟
الاختلاف تقني، لكن الجوهر واحد: كلاهما يبحث عن الحقيقة. في الصحافة أنت تكتبها، وفي السينما أنت تجسدها. أحيانا يكون المشهد أكثر قدرة على الصراخ من المقال. ربما لهذا انجذبت للسينما، لأنها تمنح الفكرة حياة جديدة بلغة العالم كله. الكلمة تقنع، لكن الصورة تُبقي الأثر.
هل كان هذا الدافع وراء تأسيس شركة "سراب"؟ أن تعطي الفكرة وجها وصوتا وصورة؟
بالضبط. عندما أسست سراب للإنتاج والتوزيع الفني عام 2020، كنت أبحث عن مساحة حرة لتقديم أعمال عربية تحترم عقل المشاهد. بدأنا بفيلم «فيك أب» مع النجم أيمن زيدان، ثم «بنات الماريونيت»، الذي جمع الفنانين السوريين والإماراتيين في قالب كوميدي خفيف لكنه عميق في الوقت ذاته. كنت أريد أن أقول إن التعاون العربي يمكن أن يصنع فنًا ينافس عالميًا إذا توفرت الرؤية.
تتحدث الآن عن “المشهد الممنوع” كعمل مختلف… ما الذي يميزه عن مشاريعك السابقة؟
“المشهد الممنوع” فيلم من نوع الكوميديا السوداء، يتناول بجرأة وسخرية التفاصيل الصغيرة في حياة الناس، حيث تتجاور المأساة والضحكة. العمل يحاول أن يقول ما لم يُقل، أن يضحكك وأنت تفكر، وأن يبكيك وأنت تبتسم. أعتبره فيلما عن “الواقع الممنوع" ولهذا اخترنا هذا العنوان. سأقدم فيه تجربة جريئة على مستوى الفكرة والإخراج والجرأة البصرية.
هل يحمل الفيلم رسائل سياسية أو اجتماعية؟ أم أنه عمل فني خالص؟
هو عمل فني أولا، لكنه لا ينفصل عن الواقع. لا أريد أن أقدم خطابا سياسيا، بل مرآة ساخرة تعكس التناقضات التي نعيشها كمجتمعات عربية. أؤمن أن الكوميديا السوداء قادرة على قول ما تعجز عنه الخطب والبيانات. في النهاية، الفن الحقيقي لا يهاجم أحدا، بل يظهر الحقيقة كما هي، ويترك للجمهور أن يُكمل المشهد.
وفي المقابل، تستعد أيضا لتصوير فيلم إماراتي في أبوظبي… هل هو امتداد لتوجهك السينمائي نفسه؟
هو مختلف في الطابع، لكنه ينتمي إلى رؤيتي ذاتها: الجمع بين العمق والبساطة. العمل إماراتي الفكرة والمكان، يقدم حكاية اجتماعية إنسانية بعيون معاصرة. تصويره في أبوظبي ليس صدفة، بل لأن المدينة اليوم أصبحت وجهة سينمائية عالمية بكل معنى الكلمة. أطمح أن يكون هذا الفيلم بداية سلسلة إنتاجات إماراتية عربية تعيد الوهج للسينما الخليجية.
تحدثت عن "عصب سوريا" كمبادرة إعلامية… كيف ولدت الفكرة وسط التحولات في بلدك الأم؟
بعد سقوط النظام في سوريا، كانت الساحة الإعلامية تعيش فوضى كبيرة. أطلقت شبكة عصب الدولية / عصب سوريا لتكون منبرا حرا يساند الصحفيين السوريين المستقلين، وينقل صوت الناس بموضوعية بعيدا عن الأجندات. كنت أؤمن أن الإعلام لا يجب أن يكون أداة صراع، بل مساحة وعي. اليوم، الشبكة أصبحت مرجعا لكثير من الأصوات السورية الحرة.
بين الإعلام والفن، بين سوريا والإمارات… أين تجد نفسك أكثر؟
في الحقيقة، أجد نفسي بينهما. أنا لا أرى الإعلام والفن مجالين منفصلين، بل طريقين للشيء نفسه: فهم الإنسان. الإمارات منحتني بيئة مثالية للخلق والعمل بحرية، وسوريا منحتني الذاكرة والحنين والوجع، وكل ذلك يصنع ما أقدمه اليوم. لذلك لا أختار بينهما، بل أحمل كليهما في قلبي.
كيف ترى موقعك اليوم في المشهد الإعلامي والثقافي العربي؟
أنا لا أبحث عن موقع بقدر ما أبحث عن أثر. الإعلام اليوم يعج بالأسماء، لكن القليل منهم يترك بصمة. ما أريده أن تبقى أعمالي – الصحفية أو السينمائية – شاهدة على مرحلة فكرية وجمالية من عمر هذه المنطقة. ربما لا أكون الأعلى صوتا، لكنني أريد أن أكون الأكثر صدقا.
وفي النهاية، لو كان عليك أن تختصر مسيرتك بمشهد واحد… كيف سيكون؟
سيكون مشهدا بسيطا: صحفي يجلس في مقهى يكتب، بينما تمر أمامه الكاميرا، فتتحول الكلمات إلى صور. هذا المشهد يلخص حياتي: الكلمة التي صارت صورة، والصورة التي لا تزال تبحث عن معنى جديد.
