كان البادئ والمنسق الموسيقي للمسيرة الخضراء، ترجمها بتحفة الموسيقى العالمية “نداء الحسن” التي تغنى بها جيل بعد جيل.. حصل على العديد من الألقاب، أبرزها “العصا السحرية” و”المايسترو” و”زعيم الموسيقى العربية والشرقية”.. فنان متعدد الأوجه، فهو الموسيقي الكبير الذي تشهد له أعماله بذلك.. فإضافة إلى التوضيب والتوزيع والهارمونيا التي وظفها في العديد من الأعمال الفنية الوطنية، هو عازف ماهر على آلة الكلارنيت والساكسوفون. وحدث مرة أن ظهر الوجه الآخر للعازف خشان حيث أدى صولو من نوع جاز بشكل رائع ومثير جعل المغفور له الحسن الثاني يشهد له بالريادة في هذه الصوته، وهذا مثال واحد من روائع العزف التي تفرد بها عبد السلام خشان.
تعامل عبد السلام خشان مع العديد من الأسماء الفنية الكبيرة المغربية والعربية والغربية.. من يعرف الرجل عن قرب لا بد وأن يتذكر خصاله الكثيرة الحسنة وأعماله الإنسانية والخيرة في السر والعلن.. إنه مايسترو وملك الأغنية المغربية والعربية الراحل عبد السلام خشان..
منال شوقي
الولادة والنشأة
بشمال المغرب وبالضبط بطنجة العالية، ازداد بيت عائلة خشان بمولود ذكر أطلقوا عليه اسم عبد السلام.. كان هذا في فبراير 1920.. ترعرع عبد السلام بشمال المملكة على حب الوطن وتحمل المسؤولية، وكان حبه للموسيقى يوازي حبه للوطن والوطنية، ليفكر في مغادرة بيت النشأة والالتحاق بالعاصمة الرباط.. قدم إلى هذه الأخيرة وهو يحمل معه دفء الموسيقى العربية التي تنامت في الأندلس ونزحت مع النازحين إلى المغرب على عهد ملوك الطوائف.. كانت الموسيقى المغربية، حين قدوم الأستاذ خشان إلى الرباط، في بداياتها مع الممهدين والمؤسسين الكبار من أمثال الأستاذ أحمد البيضاوي والأستاذ عبد القادر الراشدي، لم يكن الجوق الملكي حينها قد تأسس بعد، بل كانت فرقة عسكرية يرأسها الكومندان عبد القادر الرطي..
كان عبد السلام خشان عضوا في الأركسترا السمفونية التابعة للحرس الملكي بين 1956 إلى 1972، وبين 1973 و 1998 رئيسا للجوق الملكي، ليلقب بوسام العرش بدرجة فارس.
موسيقى منذ المراهقة
في سن ال 17، التحق عبد السلام خشان بمدرسة الموسيقى التابعة للحرس الشريفي بتطوان.
وفي سنة 1942 حصل على ديبلوم موسيقي في السولفيج والكلارينيت.
انطلاقة موسيقي شاب
في سنة 1955 حصل على لقب موسيقي محترف من الإتحاد الإسباني للموسيقى، وهو لقب يمكنه من القيام بحفلات على الصعيد الدولي سواء فرديا أو جماعيا..
في سنة 1956، وبناء على أوامر من الأمير مولاي الحسن، انتقل عبد السلام خشان إلى الرباط ليلتحق بالأركسترا السمفونية التابعة للحرس الملكي التي كان يترأسها آنذاك الأستاذ عبد القادر الرطي.
كانت الأركسترا السمفونية تقدم عروضها أمام الأمير مولاي الحسن، وكانت تضم الموسيقى الكلاسيكية والجاز والمامبو والمورينغ…
تألق موهبة
في الستينات، بدأ عبد السلام خشان في العمل على مشروع كتابة وتنسيق الموسيقى الأندلسية.. وفي نفس الحقبة ألف “بلبل فرحان” للموسيقار عبد الهادي بلخياط.
وفي سنة 1963، تم تكريم الراحل عبد السلام خشان، وحصل على جائزة شرفية في الكلارينيت بالمعهد الوطني بالرباط.. وفي سنة 1964، حصل على جائزة شرفية في “الهارموني” من نفس المعهد..
ولادة عصا سحرية
“العصا السحرية” هو اللقب الذي أطلق على الأستاذ عبد السلام خشان.. لقب ولد في 25 غشت 1973 أثناء إنشاء الجوق الملكي تحت إدارة الأستاذ عبد السلام خشان.
ولادة الأوركسترا الملكية.. 10 أيام من العمل الشاق
في 10 غشت 1973، طلب جلالة الملك الحسن الثاني من عبد السلام خشان بإنجاز ملحمة “ثورة الملك والشعب” ل 20 غشت 1973 بمشاركة سبعة ملحنين وهم أحمد الشجعي وأحمد البيضاوي ومحمد بن عبد السلام والعربي الكوكبي وعبد الله عصامي وعبد السلام عامر وعبد القادر الراشدي..
كانت وثيرة العمل جد عالية، أغنية في اليوم، كتابة وتلحينا وترتيبا وتسجيلا.. ويمكننا القول إن هذه العملية كانت بمثابة امتحان حقيقي لعبد السلام خشان.. في نفس تلك الفترة الزمنية، توفيت والدة عبد السلام، ورغم حبه الكبير لوالدته لم يتمكن من حضور جنازتها، تفانيا في خدمته لعمله ووطنه ولكفاءته المهنية..
تابع عبد السلام خشان مهمته وعمله بوثيرة أغنية في اليوم.. وكانت آخر أغنية تم إعدادها وتسجيلها مباشرة في استوديوهات التسجيل في 19 غشت من الساعة التاسعة صباحا إلى السادسة مساء,, والتصوير التلفزيوني استمر من ساعتين إلى أربع ساعات “من الثامنة مساء إلى الرابعة من الصباح الموالي”..
في 20 غشت 1973، ثم بث ملحمة الملك والشعب على أثير الإذاعة والتلفزة المغربية.. وفي 25 غشت 1973 عرضت الملحمة على جلالة الملك الحسن الثاني الذي هنأ عبد السلام خشان وفريقه على عملهم المتقن، وقام جلالته قدس الله روحه بتقديم تعازيه الحارة للأستاذ خشان لوفاة والدته، وقام جلالته بتكريمه على مجهوداته، ولقبه ك “رئيس للأركسترا الملكية” بل منح لهذه الأخيرة اسما جديدا وهو ” الجوق الملكي”.
1975.. المسيرة الخضراء.. كنز تاريخي وطني
كان عبد السلام خشان البادئ والمنسق الموسيقي للمسيرة الخضراء.. وفي الواقع، وبعد خطاب الملك الحسن الثاني، ذهب عبد السلام خشان لرؤية عبد الله عصامي وفتح الله المغاري لوضع كلمات وتوزيع أول أغنية للمسيرة الخضراء من تلحين عبد السلام خشان.. وقد تم إعداد وتسجيل هذه الأغنية في يوم واحد فقط..
في أعقاب ذلك، طلب عبد السلام خشان من فنانين آخرين دعم هذا المشروع، وأيضا إدماج الجوق الوطني في هذه العملية..
وقد شهدت تتمة الأغاني مع الجوق الملكي مساهمة كل من العمالقة العربي كوكبي، عبد السلام عامر وعبد العاطي أمانة.. وقد تم إعداد الأغاني وتجهيزها في يومين لكل واحدة..
السيد.. البروفيسور
كان عبد السلام خشان أستاذا بالفعل، فقد كان يحمل العديد من الخيوط البيداغوجية في عالم الموسيقى.. لقد كان متعدد الأوجه، فهو الموسيقي الكبير: فإضافة إلى التوضيب والتوزيع والهارمونيا التي وظفها في العديد من الأعمال الفنية الوطنية هو عازف ماهر على آلة الكلارنيت والساكسوفون.
وهكذا وضع مواهبه إلى منصب أستاذ في المعهد الموسيقي بالرباط، حيث درس الكلارينيت والساكسوفون بين 1966 و 1983، وأستاذ في المعهد الموسيقي بالدار البيضاء، حيث درس أيضا الكلارينيت والساكسوفون.. أيضا كان أستاذا للسولفيج بالجوق الملكي بين 1972 إلى 1973.. ويعتبر عبد السلام خشان هو من قام بمبادرة إنشاء مدارس الموسيقى في كل مدرسة كان هو مديرها..
من 1984 إلى 1992 : مدرسة موسيقى الطيران.
1992 1995 مدرسة موسيقى الحرس الملكي.
ملحن في خدمة المملكة
لحن عبد السلام خشان العديد من موسيقى المسيرة للحرس الملكي “عيد الأصدقاء، السلام، زعيم الشعب، اللهم صل وسلم على المصطفى”، كما حول العديد من الأغاني الوطنية إلى موسيقى المسيرة..
قام عبد السلام خشان بالمبادرة في التلحين والأركسترا والكتابة الموسيقية لأكثر 1800 أغنية وطنية وقومية وعاطفية وأندلسية.
كما قدم أكثر من 100 حفل في جميع أنحاء المغرب.
في سنة 2000، قدم خشان ألبوما موسيقيا أندلسيا رائعا، بتوزيع مع الأركسترا الفلارمونية وتقديم الموهوبة فاطمة الزهراء العروسي..
الموسيقي الدولي الرحال
طوال حياته المهنية، حضر عبد السلام خشان العديد من المهرجانات الدولية بما في ذلك كرونا (إسبانيا 1947)، فالنسيا (إسبانيا 1949) والسنغال وفرنسا في عام 1962، والجزائر عام 1963 ومدريد في عام 1983 لتسجيل نشيد ألعاب البحر الأبيض المتوسط (الملحن كان العربي Kawkabi) والغابون عام 1984 وفرنسا عام 1985 ومصر في عام 1988 لافتتاح دار الأوبرا بالقاهرة.
زعيم الموسيقى المغربية والشرقية
من جهة أخرى وفي سنة 1985، قام عبد السلام خشان بمبادرة إعداد أغنية “كان يا ماكان” التي لحنها الموسيقار عبد الوهاب الدكالي، والتي حصلت على الجائزة الأولى في المهرجان الأول للأغنية المغربية، وأيضا إعداد أغنية عموري امبارك التي حصلت على المركز الثالث بالمهرجان.
أسماء قليلة وكبيرة جدا في عالم الموسيقى العربية التي تعامل معها الجوق الملكي بقيادة عبد السلام خشان.. نذكر منها “عبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب، محمد الموجي، فريد الأطرش، ومحمد عبده، فيروز، صباح، وردة، عزيزة جلال، محمد الحياني، أحمد البيضاوي، العربي كوكبي، عبد السلام عامر، عبد القادر راشدي، عبد الله عصامي، عبد الوهاب الدكالي، عبد الهادي بلخياط، محمود الإدريسي، إسماعيل أحمد، عبد المنعم الجامعي، أحمد الغرباوي، سميرة بنسعيد، غيثة بن عبد السلام، عتيقة عمار، نعيمة سميح، لطيفة رأفت، أحمد العلوي، عبد العاطي أمانة…. وكذا فرق غربية..
ببساطة.. كان رجلا عظيما
في 16 غشت 2009، انطفأت الشمعة وغادرنا رمز من رموز الأغنية المغربية إلى دار البقاء.. كان موسيقارا عظيما استطاع وضع لبنات الموسيقى المغربية..
غادرنا الراحل عبد السلام خشان وأقيمت صلاتا العصر والجنازة، ووري جثمان الراحل الثرى بمقبرة الشهداء- الأوادية بالرباط، في موكب مهيب سار فيه أفراد أسرة وأقرباء الفقيد، وأصدقاؤه من مجايليه وتلامذته.
قدم صاحب الجلالة الملك محمد السادس تعازيه الشخصية لأسرته. وأثنت عليه وعلى حياته المهنية جل المنابر الإعلامية من تلفزة وطنية وإذاعة والصحافة مكتوبة.. لم لا وهو أحد أيقونات الأغنية المغربية.
كان عبد السلام الإبن الأكبر لأربعة إخوة وهم: فاطمة ومحمد وزهرة وعبد القادر. وحدهما محمد وزهرة من على قيد الحياة.. كان متزوجا من أمينة المقدم والتي بدونها لم يكن لنجاحه طعم (فكما يقال إن وراء كل رجل عظيم هناك امرأة…). ترك ثلاثة أولاد وهم محمد وخالد وزكي.. وستة أحفاد هم: حمزة وندى، هدى وأمين وأمينة وشهيد..
كان الراحل محبوبا من قبل عائلته وأصدقائه. عرف عنه الإيثار والتدين والكرم والعطف. يلب نداء كل من طرق بابه للمساعدة.. ترك فراغا كبيرا في العالم الفني المغربي وفي قلب أقربائه وأصدقائه.
ليلة الوفاء.. سهرة تخلد أعمال المرحوم
فلترقد روحه في سلام.
حقا..
نفتقد هذا الرجل العظيم
تغمده الله برحمته