إلى ابنتي أريج أراسلك اليوم عبر الكتابة أمام الناس، لتبقى هذه الرسالة محفوظة لتقرأيها حينما تكبرين، لتقرأي وتفهمي وتحللي، لتعرفي لماذا أنتِ وطني البهيج، ولتكن هذه الرسالة بمثابة ميثاق شرف فيما بيننا حتى نهاية الأزمان.
لماذا أسميتك أريج؟ أسميتك أريج على اسم وطني الأول والسيدة الأولى التي رأتها عيناي.. على اسم جدتك الفلسطينية والمرأة الفولاذية بفلسطينيتها التي تحمل أبهى مشاهد الصبر والعزيمة والإصرار.
أسميتك أريج لأني أعشق عناق الياسمين، لأنك وطني البهيج، وكيف لا تكونين كذلك وكلما أعانقك أعانق أريج الفل والياسمين في حيفا وعكا، في نابلس وأريحا، في يافا ورام الله، بعناقك أعانق كل فلسطين.
غاليتي أريج، أنتِ وطني البهيج الذي لم ولن يعرف معنى التهجير والتشريد، أنتِ وطني الدائم الذي لن يهاجر قلبي، وإن هجرت طيور الحب عشها أُعاهدكِ أنكِ من قلبي لن تهاجري.. ستبقين يا بنيتي وطني الدائم، الوطن البهيج الذي يرمم انكسارات فؤادي وينعشه كلما اقترب تلوثٌ أو ضجيج.
لو تعرفين يا أريج ما تمثل لي ضحكاتك ونظراتك وشقاوتك؟ إنها باتت لي كالهواء والماء الذي تستمر معهما كينونة الحياة.
قبل أن تأتي إلى الدنيا كنتُ يا أريج أحلم مراراً حتى تخدرتُ بفعل خذلان الساسة وإحباطات المجتمع المصطنعة، وكنت أظنُّ أن تصبح أباً يعني أنك كبرت وتوقفت الأحلام، ولكن مجيئك إلى الدنيا جعلني أعاود الحلم كمن يحلم للمرة الأولى، وبهذا بِتُ على يقينٍ أنك وكل رضيعٍ فلسطيني تمثلون ببساطة وطناً بهيجاً يزرع الأمل فينا فيسندنا ويسند وطننا جميعاً بالأمل.
بمجيئك يا غاليتي أصبحت شخصاً آخر، شخصاً أفضل، أدخل في كل يوم مرحلة تأهيل ذاتي حتى أشعر بأنني جدير بصفة الأبوة، وأعاهدك يا بنيتي بأن أستمر في العمل على نفسي وذاتي حتى أكون أهلاً بأبوة وطنِ بهيجِ مثلك.
لا أطلب منكِ يا ابنتي إلا أن تكوني كما تريدين، ولا تجعلي شيئاً يصيب وطني البهيج بالسوء، فلا تنساقي وراء الجنون والتعصب والعبودية، فهي التي آلمت وآذت وطنك فلسطين.
غاليتي أريج، نحن مجانين إذا لم نستطع أن نفكر، ومتعصبون إذا لم نرغب في أن نفكر، وعبيد إذا لم نجرؤ على أن نفكر، ولهذا كوني كما أنتِ، وكوني كما تريدين، وإن رأى الآخرون فيكِ شيئاً من الغرابة، فكوني غريبة واخدمي غرابتك، ولتكن حياتك من صنع أفكارك.
ابنتي أريج، حبيبتي، قرة عيني.. كل عامٍ وأنت وطني البهيج الذي يسند وطني الجريح، كل عامٍ وأنتِ كما أنتِ فلسطينية بريئة بعيدة عن كل المفاهيم الملوثة وما سببتها من ضجيج.
فادي قدري أبو بكر
كاتب وباحث فلسطيني