تعالج رواية أبراكساس في عمومها ثنائية الخير والشر الذي تم التأكيد عليها في اللوحة الفنية المتواجدة على واجهة الغلاف، حيث تضمنت هاته الأخيرة شعار “التاي تشي” أو “ين يانغ” الشهير لما له من معنى دقيق في فهم آلية هذا الصراع في أدق تصوير بريشة الفنان التشكيلي المغربي الأستاذ محمد صبحي. غير أنه خلف هذا الصراع الأزلي يتوارى العديد من الدروس والعبر، ويبدو ذلك جليا من خلال أحداثها المثيرة إذ يستشف منها ما مدى أهمية من يحيطون بك في مواجهة عثرات الحياة، منها على سبيل الذكر لا الحصر شبح الاكتئاب الذي ينتهي حصاره أمام فسحة الأمل المهداة من العائلة والأصدقاء.
كما أنه تم نفض الغبار عن الجهل المطبق من خلال دحض الخرافة بكشف القناع الحقيقي للشر المطلق، والذي عبثا يحاول الاختباء خلف ذريعة المعاناة والهرب من الاتهامات بحجب الحقيقة وإعدام الضمير. بالإضافة إلى أنها تناولت بشكل جدي كلما يتعلق بالأحاسيس والمشاعر البشرية، وذلك من خلال التركيز على كيفية تقلبها حسب تقلب عوادي الزمن، فيخلق هذا نوعا من الانعكاس المتباين في سلوك البعض بين حقد وطمع وانتقام وخذلان، وعند البعض الآخر تضحية وتضامن وثبات كإشارة ربما للبس الحاصل فيما يخص طبائع الناس، فهم في الحقيقة معادن والشر والخير جبلة في ذواتهم، فالظروف لا تغير وجهتهم وإنما تسوقهم إلى حقيقتهم، فبعضهم يتمسكون بأصالتهم رغم سوداوية الظروف وآخرون ينتظرون أول خلوة لإطلاق العنان للوحش الدفين في أعماقهم.
رواية أبراكساس تجسد صلة وصل بين الذكريات وظلال الحنين، بين الماضي والحاضر، بين البين والمبهم. هي ملحمة فنية تختزل حياة مليئة بالتناقضات في صدام عنيف بين العلاقات والأواصر المتشابكة، بأسلوب منسق وتعبير جميل يساير بإيحاءاتها تشخيص الخواطر والمعاني وتصوير المواقف المختلفة لإحداث التأثير المتوقع نقله بصدق وبدقة إلى القارئ، حيث يسودها عنصر التشويق ويتنوع الطرح فيها بين حوادث مثيرة وغامضة ووصف تحليلي وحوار شائق.
وهكذا فرواية أبراكساس ليست رواية بسيطة تقرأها وتمضي، بل هي جمعت بين الفن الأدبي والفن التشكيلي من خلال لوحات فنية من إبداع الكاتبة ذاتها، والتي زينت بها صفحاتها في بادرة ذكية منها في جعل التفصيلات المبعثرة مجموعة ذات مغزى واحد.
نبذة عن الكاتبة:
حسناء الفرجاني أديبة وفنانة تشكيلية مغربية، حازت سنة 2012 على بكالوريا علمية، لتواصل بعد ذلك دراستها الجامعية بكلية العلوم القانونية والسياسية بالقاضي عياض بمراكش، شعبة القانون بالفرنسية. وبعدما حصلت على دبلوم الدراسات القانونية والسياسية بالفرنسية أكملت مشوارها الدراسي لتتوج بالإجازة في القانون الخاص بالفرنسية. شرعت في مجال الإبداع الأدبي من خلال نشر مجموعة من الإسهامات القصصية ذات الطابع الإنساني. بالإضافة إلى بعض الومضات الشعرية والتي تم نشرها على بعض الصفحات الأدبية الإلكترونية. ناهيك عن مساهمتها بجملة من المقالات الأدبية ذات الصبغة الثقافية في جرائد ومواقع إلكترونية ومجلات منها مجلة أسرة مغربية، تحت عناوين “فلسفة الألم وسيكولوجية الإبداع” و “فن الكتابة..ما بين الرغبة وشغف الشهرة أم تحصيل المال” و “ما معنى أن يكون الإنسان إنسانا؟”….وفي سنة 2019 تخرج إلى الوجود أول مشروع أدبي روائي لها تحت عنوان “أبراكساس”، والذي تم نشره من طرف دار نشر ببلومانيا بالقاهرة.