لقد خلق الله عز وجل الإنسان لعبادته، وأثناء تحقيق هذه العبادة أو الخلافة كان لابد للإنسان من أن تصيبه أقدار الإبتلاءات والأمراض، ضمن إرادة الله عز وجل في توازن هذا الكون، وتمام أموره حسب مشيئة الله، فكان المرض إرادة الله لعباده، ليكفّر عنهم ذنوبهم، وليعرفوا قيمة الصحة والعافية، وليزنوا نِعمَ الله عز وجل حق قدرها، وليشعروا بضعفهم أمام قوة الله عز وجل، ولتكون فترات المرض محطات عِظة وتذكّر، يعود بعدها المريض إلى واحة الإدراك والتبصر، وتلك هي حقيقة الدنيا أنها دار بلاء وأمراض، ظِل زائل ومتاع مُنتهِ ما من إنسان في هذه الدنيا إلا ولابد أن يواجه فيها مرضاً وعافية، وسروراً وحزناً وسراءً وضراءً، والواجب علينا أن نؤمن بقضاء الله وقدره، وقد قال سبحانه: «إنا كل شيء خلقناه بقدر».
ولكن مع تقبل المسلم لقضاء الله وقدره، عليه أيضاً أن يحاول الخروج من هذا الإبتلاء، وأن يأخذ بالأسباب؛ لأنها من قدر الله فمن مرض فعليه التداوي لأن المرض قدر والدواء قدر، ونجاح الدواء في علاج المرض مرهون بقدر الله عز وجل، الذي لم يخلق داء إلا وخلق له دواء.
وإن مما يبعث الاطمئنان في نفس المريض، أن يعلم أن في مرضه ثواباً عظيماً أراده الله له، وأن فيه فوائد كثيرة وجمة؛
وأن المرض تهذيب للنفس وتصفية لها من الشر الذي فيها فإذا أصيب العبد فلا يتفلسف، فما أصيب إلا بذنب وفي هذا تبشير وتحذير إذا علمنا أن مصائب الدنيا عقوبات لذنوبنا. فإذا كان للعبد ذنوب، ولم يكن له ما يكفرها ابتلاه الله بالحزن أو المرض، وفي هذا تبشير للمؤمن، لأن مرارة الدنيا ساعة أفضل من احتمال مرارة الأبد.
ومن فوائد المرض؛ اللذة الآجلة في الآخرة، فالله عز وجل يبدّل مرارة الدنيا حلاوة في الآخرة، وإذا أنزل بالعبد مرض أو نزلت به مصيبة فحمد الله عز وجل وصبر واسترجع، إلا أعطاه الله من الأجر ما لا يعلم.
ومن فوائد المرض أنه يُعرَف به صبر العبد على بلواه، وأن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط فإذا صبر العبد واحتسب كُتب في ديوان الصابرين، ويكفي الصابرين شرفاً أنهم في معية الله وحفظه ورعايته، وإن حمد العبد وشكر؛ كتب في ديوان الشاكرين ويكفي الشاكرين شرفاً أن الله وعدهم الزيادة، وان حالات العبد في الصبر والشكر جعلت الرسولﷺ يتعجب؛ ويقول ﷺ: « عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير؛ أن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وليس ذلك إلا للمؤمن«.
والصبر الجميل هو صبر بلا ضجر، بلا قلق، بلا اعتراض، صبر باللسان والقلب معاً، وليس كما ترى لسانه راضياً ولكن قلبه مضطرب يقول غير ذلك!!!، فمن اتفق لسانه وقلبه فهو الصابر صبراً جميلاً.
ومن فوائد المرض؛ قرب المريض من الله عز وجل، وقرب الله من المريض، وهذا قرب خاص، يقول الله سبحانه في الحديث القدس: « يا ابن آدم ، مرضت فلم تعدني! قال : يارب وكيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلان مرض فلم تعده٠، أما إنك لو عدته لوجدتني عنده». فالله عز وجل عند المنكسرة قلوبهم.
ومن فوائد المرض؛ أنه سبب للدعاء والذل والإنكسار بين يدي الله عز وجل، فكم من أناس أعرضوا عن اللجوء إلى الله فمرضوا فلجأوا إلى الله خاشعين منكسرين، وهذا أهل التوحيد إذا أصيبوا ببلاء أو مرض صبروا ولجأوا إلى الله واستعانوا به وحده جل في علاه، وينزل البلاء ليستخرج به الدعاء، قال سبحانه: «وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض» فيحدث للعبد من الإنكسار وإخلاص الدعاء ما يزيد إيمانه ويقينه ويحصل له من الإنابة وحلاوة الإيمان ما هو أعظم من زوال المرض، لأنهم حين أصابهم المرض أنزلوه بالله وحده، فلم يذهبوا إلى كاهن ولا ساحر ولا يدعون قبرا، إنما إذا استعانوا استعانوا بالله وحده لا شريك له.
ومن فوائد المرض أنه دليل على محبة الله عز وجل، وأن الله يريد بالمريض الخير. فقد قال ﷺ «من يرد الله به خيراً يصب منه « وإن من لم يرد الله به خيراً لا يصيب منه، حتى يوافي ربه يوم القيامة وهو ما بين يدي الله عز وجل.
ومن فوائد المرض أنه رحمة من الرب للعبد، فالله عز وجل خلق العباد ليرحمهم لا ليعذبهم. قال سبحانه: «ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم«. ولكن أكثر النفوس جاهلة بالله وحكمته، ومع هذا فالله يرحمها لجهلها وتفهمها، فهذه بعض فوائد المرض على المرضى، والمبتلون يجدون في ذلك بعض السلوى، لكن هناك فوائد أخرى لأقارب المريض وذويه وأحبابه وإخوته من المسلمين، وهو حق لعيادة المريض وزيارته؛ لأنه يكون في أمسّ الحاجة إلى كل ما تستطيعه العلاقات الاجتماعية والإنسانية من عون وسلوى وبث للعزيمة والأمل والطمأنينة والسرور. أن يتذكر الإنسان أنه في كل لحظة له عزيز ينتظر منه الدعاء.
فهنيئاً لك أيها الزائر للمريض والمتصل والمستفسر على أحواله، هنيئاً لك هذه الباقة العبقة من الزهور التي أهداها من بُعث رحمة للعالمين، ومن زهراته الطيبات قوله ﷺ «من عاد مريضاً لم يزل في خُرفة الجنة (يعني جناها) حتى يرجع «
*من المصحة الاستشفائية الزيراوي.. كتب الأستاذ نور الدين ودي