الخميس , نوفمبر 21 2024
أخبار عاجلة
الرئيسية / مشاهير / حوارات فنية / الفنان سعيد غزالة:المسرح على مدى التاريخ كان طابورا خامسا بمعنى الوجه المكشوف لكل عيوب الحاكم والمحكوم

الفنان سعيد غزالة:المسرح على مدى التاريخ كان طابورا خامسا بمعنى الوجه المكشوف لكل عيوب الحاكم والمحكوم

حينما‭ ‬يجتمع‭ ‬الإخراج‭ ‬المسرحي‭ ‬والتمثيل‭ ‬والتأليف‭ ‬فإننا‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬الفنان‭ ‬سعيد‭ ‬غزالة‭. ‬هو‭ ‬ابن‭ ‬مدينة‭ ‬مكناس،‭ ‬اختار‭ ‬الفن‭ ‬بحب‭ ‬وتفاني‭ ‬واختاره‭ ‬المسرح‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الكتابة،‭ ‬حيث‭ ‬كتب‭ ‬أول‭ ‬نص‭ ‬مسرحي‭ ‬له‭ ‬عن‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬نداء‮»‬‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬عانق‭ ‬خشبة‭ ‬المسرح‭ ‬وأطلق‭ ‬العنان‭ ‬لإبداعه‭ ‬في‭ ‬الإخراج‭ ‬والتأليف‭ ‬المسرحي،‭ ‬إذ‭ ‬قام‭ ‬بتأليف‭  ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثين‭ ‬نص‭ ‬مسرحي‭ ‬وإخراج‭ ‬قرابة‭ ‬العشرة‭ ‬أعمال‭ ‬،‭ ‬منها‭ ‬مسرحية‭ ‬‮«‬‭ ‬لمراية‮»‬،‭ ‬‮«‬تانوغيت‮»‬‭ ‬،‭ ‬المجلي‮»‬،‭ ‬‮«‬الباباوان‮»‬‭ ‬،‭ ‬‮«‬حكاية‭ ‬آخر‭ ‬امرأة‭ ‬عادية‮»‬‭…. ‬الخ‭. ‬كما‭ ‬مثل‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأفلام‭ ‬والمسلسلات‭ ‬المغربية‭ ‬منها‭: ‬‮«‬‭ ‬ساعة‭ ‬في‭ ‬الجحيم‮»‬،‭ ‬‮«‬الأخطبوط‮»‬‭ ‬،‭ ‬‮«‬التائه‮»‬‭ ‬،‭ ‬‮«‬راس‭ ‬العين‮»‬‭….‬وغيرها‭. ‬ألف‭ ‬مسرحيات‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬مونودرامات‭ ‬تختلف‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الموضوع‭ ‬والاختيار،‭ ‬وتعكس‭ ‬بين‭ ‬دفتيها‭ ‬تجربته‭ ‬العميقة‭ ‬في‭ ‬المسرح‭. ‬وهما‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬دمى‭ ‬شكسبير‮»‬‭ ‬و»قلنديا‮»‬‭. ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬مواهبه‭ ‬المتعددة‭ ‬من‭ ‬إخراج‭ ‬مسرحي‭ ‬وتأليف‭ ‬وتمثيل،‭ ‬فهو‭ ‬عضو‭ ‬بالنقابة‭ ‬المغربية‭ ‬لمحترفي‭ ‬المسرح‭. ‬ورئيس‭ ‬جمعية‭ ‬أفلون‭ ‬للفنون‭ ‬الاستعراضية،‭ ‬ورئيس‭ ‬جمعية‭ ‬الصداقة‭ ‬لمسرح‭ ‬الطفل،‭ ‬ورئيس‭ ‬مؤسس‭ ‬لجمعية‭ ‬الكشف‭ ‬المنير‭.‬

الفنان‭ ‬سعيد‭ ‬غزالة‭ ‬له‭ ‬مسيرة‭ ‬فنية‭ ‬حافلة‭ ‬وغنية‭ ‬تفرض‭ ‬نفسها‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬بقوة‭. ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬لنا‭ ‬معه‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭ ‬التالي‭:‬

المسرح‭ ‬وسعيد‭ ‬غزالة‭ ‬أيهما‭ ‬اختار‭ ‬الآخر؟

كنت‭ ‬مولعا‭ ‬بالمطالعة‭ ‬ومدمنا‭ ‬على‭ ‬الكتابة،‭ ‬وكان‭ ‬أول‭ ‬فعل‭ ‬قمت‭ ‬به‭ ‬لملامستي‭ ‬المسرح‭ ‬محاولات‭ ‬في‭ ‬الابتدائي‭ ‬للتمثيل‭ ‬لكني‭ ‬لم‭ ‬أعطي‭ ‬الأمر‭ ‬أهمية‭ ‬واخترت‭ ‬القراءة‭ ‬والكتابة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ضروبها‭ ‬ومنها‭ ‬المسرح‭… ‬لكني‭ ‬لم‭ ‬أختره‭ ‬عن‭ ‬رغبة‭ ‬بل‭ ‬سيق‭ ‬إلي‭ ‬عبر‭ ‬صديق‭ ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬حكى‭ ‬لي‭ ‬عن‭ ‬ولعه‭ ‬بالمسرح‭ ‬وطلب‭ ‬مني‭ ‬أن‭ ‬ننجز‭ ‬بالمعهد‭ ‬الذي‭ ‬كنا‭ ‬ندرس‭ ‬فيه‭ ‬عملا‭ ‬مسرحيا،‭ ‬فتطوعت‭ ‬بكتابة‭ ‬أول‭ ‬نص‭ ‬مسرحي‭ ‬لي‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬نداء‭ ‬حول‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭. ‬ومن‭ ‬ساعتها‭ ‬اختارني‭ ‬المسرح‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الكتابة‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬اختياري‭ ‬له‭ ‬بصيغة‭ ‬أخرى‭ ‬(تمثيل/‭ ‬إخراج/‭…‬)‭ ‬لهذا‭ ‬أعتبر‭ ‬المسرح‭ ‬سحر‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬سَحَرته‭.‬

حسب‭ ‬قولك‭ “‬المسرح‭ ‬هو‭ ‬التغيير‭” ‬أي‭ ‬تغيير‭ ‬تقصد‭ ‬وما‭ ‬حدود‭ ‬هذا‭ ‬التغيير‭ ‬الذي‭ ‬شملك‭ ‬كفنان؟

المسرح‭ ‬هو‭ ‬فعل‭ ‬المكاشفة‭ ‬والمرآة‭ ‬العاكسة‭ ‬لحياة‭ ‬أخرى‭ ‬ربما‭ ‬هي‭ ‬الوجه‭ ‬الحقيقي‭ ‬لحياة‭ ‬ملتبسة‭ ‬تحكمها‭ ‬الأهواء‭ ‬والمصالح‭ ‬والتعب‭ ‬اليومي‭. ‬ولأنه‭ ‬كذلك‭ ‬فهو‭ ‬فعل‭ ‬تغيير‭ ‬أو‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفعل‭ ‬بطرح‭ ‬رؤى‭ ‬متجددة‭ ‬أو‭ ‬تشريح‭ ‬عيوب‭ ‬مجتمعية‭ ‬تنخر‭ ‬في‭ ‬كيان‭ ‬الإنسان‭. ‬المسرح‭ ‬هو‭ ‬فعل‭ ‬المساءلة‭ ‬والتشضي،‭ ‬فعل‭ ‬المراهنة‭ ‬على‭ ‬واقع‭ ‬أجمل‭ ‬أصفى‭ ‬ومتوازن‭.. ‬المسرح‭ ‬هذا‭ ‬اللانهائي‭ ‬الحابل‭ ‬بالحلول‭ ‬والآخر‭ ‬الكامل‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬إلا‭ ‬آلة‭ ‬عملاقة‭ ‬للتغيير‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬رخص‭ ‬له‭ ‬بالكينونة‭ ‬الحقيقية‭. ‬هذا‭ ‬يدفعني‭ ‬أن‭ ‬أسقط‭ ‬علي‭ ‬المعنى،‭ ‬لأنه‭ ‬شملني‭ ‬ليقنعني‭ ‬باختياره‭ ‬كمصدر‭ ‬للعيش‭ ‬وللحياة‭. ‬كمصدر‭ ‬للكينونة‭ ‬والتقمص‭. ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬أنا‭ ‬الذي‭ ‬اخترت‭ ‬أن‭ ‬أكونه‭ ‬ويكونني‭. ‬

دمى‭ ‬شكسبير‭ ‬وقلنديا‭ ‬وحكاية‭ ‬آخر‭ ‬امرأة‭ ‬عادية‭ ‬أيمكن‭ ‬اعتبارهم‭ ‬روايات‭ ‬مسرحي‭ ‬أم‭ ‬هي‭ ‬مسرحيات‭ ‬مؤلف؟

هي‭ ‬مسرحيات‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬مونودرامات‭ ‬تختلف‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الموضوع‭ ‬والاختيار‭. ‬دمى‭ ‬شكسبير‭ ‬المونودراما‭ ‬التي‭ ‬قدم‭ ‬لها‭ ‬الدكتور‭ ‬عبد‭ ‬الكريم‭ ‬برشيد‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬الكلاسيكية‭ ‬برؤية‭ ‬ميتافيزيقية‭ ‬تسائل‭ ‬الكتابة‭ ‬الرصينة‭ ‬وتركب‭ ‬الأسلوب‭ ‬المشبع‭ ‬بالحكمة‭ ‬والترصيص‭ ‬اللغوي‭ ‬المحكم‭. ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬كاتبا‭ ‬على‭ ‬شكسبير‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مسائلا‭ ‬إياه‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬ومن‭ ‬قوة‭ ‬كتاباته‭ ‬وتركب‭ ‬بذلك‭ ‬مغامرة‭ ‬مقارعته‭ ‬الأحداث‭ ‬وإعادة‭ ‬تناولها‭ ‬بشكل‭ ‬تجديدي‭ ‬وإحيائي‭ ‬وأرجو‭ ‬أن‭ ‬يحال‭ ‬القارئ‭ ‬على‭ ‬مقدمة‭ ‬الدكتور‭ ‬برشيد‭ ‬في‭ ‬الموقع‭ ‬المرفق‭ ‬أسفله‭. ‬أما‭ ‬مونودراما‭ ‬قلنديا‭ ‬فهي‭ ‬عمل‭ ‬قديم‭ ‬جديد‭ ‬حول‭ ‬القضية‭ ‬الخالدة‭ ‬والأرض‭ ‬التي‭ ‬لن‭ ‬تقبل‭ ‬بغير‭ ‬أهلها‭ ‬في‭ ‬حوار‭ ‬طويل‭ ‬حول‭ ‬لا‭ ‬جدوى‭ ‬استمرار‭ ‬هذا‭ ‬العبث‭ ‬الكوني‭ ‬حول‭ ‬أرض‭ ‬المقدس‭ ‬بلغة‭ ‬شاعرية‭ ‬فيها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬اللعب‭ ‬بالكلام‭ ‬والإشارات‭ ‬والتحولات‭ ‬الوجدانية‭ ‬لطالب‭ ‬الحق‭ ‬أو‭ ‬المدافعين‭ ‬عليه‭. ‬قدم‭ ‬لها‭ ‬المُراجع‭ ‬والشاعر‭ ‬المغربي‭ ‬رشيد‭ ‬الياقوتي‭ ‬بكل‭ ‬شاعرية!‭ ‬أما‭ ‬حكاية‭ ‬آخر‭ ‬امرأة‭ ‬عادية‭ ‬فهي‭ ‬أربعة‭ ‬نصوص‭ ‬في‭ ‬المونودراما‭ ‬بصيغة‭ ‬المؤنث‭ ‬تتعرض‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬تعانيه‭ ‬المرأة‭ ‬العربية‭ ‬والمغربية‭ ‬بالخصوص‭ ‬من‭ ‬تناقضات‭ ‬وترهلات‭ ‬اجتماعية‭ ‬وسوء‭ ‬تموضعها‭ ‬داخل‭ ‬مجتمعات‭ ‬ذكورية‭ ‬باستفزاز‭. ‬هي‭ ‬كتابات‭ ‬مسرحية‭ ‬بحس‭ ‬مسرحي‭ ‬يكتنف‭ ‬حبكته‭ ‬من‭ ‬مخزون‭ ‬روائي‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬يغلب‭ ‬المستفيض‭ ‬عند‭ ‬الروائي‭ ‬على‭ ‬الكاتب‭ ‬المسرحي‭ ‬الدقيق‭. ‬لكن‭ ‬يبقى‭ ‬الكاتب‭ ‬حاضرا‭ ‬يفرق‭ ‬بين‭ ‬الضربين‭ ‬في‭ ‬الحياكة‭ ‬والصياغات‭. ‬لأنه‭ ‬محكوم‭ ‬بالتمييز‭ ‬ويعطي‭ ‬للخيال‭ ‬فترات‭ ‬استراحات‭ ‬ليجدد‭ ‬رغباته‭ ‬في‭ ‬التدفق‭ ‬أو‭ ‬الاختصار‭.‬

قمت‭ ‬بتأليف‭ ‬وإخراج‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المسرحيات،‭ ‬فما‭ ‬هو‭ ‬العمل‭ ‬المسرحي‭ ‬الأقرب‭ ‬إلى‭ ‬قلبك؟

أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثين‭ ‬عملا‭ ‬مسرحي‭ ‬كتابة‭ ‬لم‭ ‬ينل‭ ‬منها‭ ‬سوى‭ ‬10‭ ‬أعمال‭ ‬حضها‭ ‬للخروج‭ ‬إلى‭ ‬النور،‭ ‬البعض‭ ‬بدعم‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬والبعض‭ ‬بإنتاج‭ ‬ذاتي‭ ‬وكلها‭ ‬أعمال‭ ‬قريبة‭ ‬إلى‭ ‬قلبي‭ ‬لكن‭ ‬أكثرها‭ ‬مسرحية‭ ‬تفويجة‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬إنتاج‭ ‬ذاتي‭ ‬شخصه‭ ‬طلبة‭ ‬متدربين‭ ‬عندي‭ ‬سنة‭ ‬2013‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أنجح‭ ‬الأعمال‭ ‬المسرحية‭ ‬عندي‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬أداء‭ ‬الممثلات‭ ‬فوق‭ ‬الخشبة‭ ‬باهرا‭ ‬وواعدا‭ ‬وفي‭ ‬مقام‭ ‬الاحتراف‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬أول‭ ‬طلعة‭ ‬للممثلات‭ ‬على‭ ‬خشبة‭ ‬المسرح‭ ‬بعمل‭ ‬مسرحي‭ ‬متكامل‭. ‬الحمد‭ ‬لله‭ ‬كل‭ ‬الممثلات‭ ‬صرن‭ ‬محترفات‭ ‬الآن‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬يثلج‭ ‬القلب‭.‬

في‭ ‬ظل‭ ‬مواهبك‭ ‬المتعددة‭ ‬من‭ ‬تأليف‭ ‬وإخراج‭ ‬وتشخيص‭ ‬أين‭ ‬تجد‭ ‬نفسك‭ ‬أكثر؟

أجدني‭ ‬في‭ ‬التأليف‭ ‬أكثر‭ ‬كما‭ ‬سبق‭ ‬وقلت‭ ‬أن‭ ‬المسرح‭ ‬اختارني‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مغازلة‭ ‬أحورته‭ ‬وعوالم‭ ‬مشاهده‭ ‬وتراكيبه‭ ‬وأنفاسه،‭ ‬وأحاول‭ ‬في‭ ‬الإخراج‭ ‬فقط‭ ‬حماية‭ ‬نصوصي‭ ‬من‭ ‬التلف،‭ ‬قد‭ ‬يُعتبر‭ ‬هذا‭ ‬الرأي‭ ‬أنانية‭ ‬مني،‭ ‬لأن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المخرجين‭ ‬وليس‭ ‬كلهم‭ ‬يُفرغون‭ ‬مجهود‭ ‬المؤلف‭ ‬من‭ ‬محتواه‭ ‬ويحاولون‭ ‬الركوب‭ ‬على‭ ‬أفكار‭ ‬المؤلفين‭ ‬لتمرير‭ ‬أفكار‭ ‬غالبيتها‭ ‬تكون‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬النص‭ ‬الأصلي‭. ‬أما‭ ‬التشخيص‭ ‬فلا‭ ‬أتحمس‭ ‬له‭ ‬كثيرا‭ ‬لكني‭ ‬أجدني‭ ‬في‭ ‬تكوين‭ ‬الممثل‭ ‬وتدريبهم‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬لعبة‭ ‬التشخيص‭ ‬وضروبها‭.‬

قمت‭ ‬بالتمثيل‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأفلام‭ (…) ‬فما‭ ‬الذي‭ ‬أضافه‭ ‬المبدع‭ ‬المسرحي‭ ‬بداخلك؟‭ ‬وما‭ ‬الأدوار‭ ‬التي‭ ‬تطمح‭ ‬إليها‭ ‬مستقبلا؟‭ ‬

‭ ‬هي‭ ‬أدوار‭ ‬قليلة،‭ ‬لأنه‭ ‬بطبيعتي‭ ‬أتهيب‭ ‬من‭ ‬التشخيص‭ ‬أو‭ ‬دخول‭ ‬ميدانه‭ ‬وأكتفي‭ ‬باختياراتي‭ ‬كمؤلف‭ ‬مسرحي‭ ‬ومخرج‭ ‬وهي‭ ‬أدوار‭ ‬لم‭ ‬أسعى‭ ‬لها‭ ‬فقط‭ ‬بدافع‭ ‬التجربة‭ ‬أو‭ ‬الصدفة‭. ‬كنت‭ ‬نسبيا‭ ‬مقنعا‭ ‬في‭ ‬أدائي‭ ‬فيها،‭ ‬لكن‭ ‬يبق‭ ‬المبدع‭ ‬المسرحي‭ ‬فيّ‭ ‬يرفض‭ ‬هذا‭ ‬الاختيار‭ ‬ولا‭ ‬أعلم‭ ‬هل‭ ‬هو‭ ‬صحيح‭ ‬أم‭ ‬ضرب‭ ‬من‭ ‬الجنون‭. ‬لا‭ ‬أرفض‭ ‬الأدوار‭ ‬لكني‭ ‬لا‭ ‬أسعى‭ ‬لها‭. ‬كل‭ ‬ما‭ ‬أطمح‭ ‬له‭ ‬مستقبلا‭ ‬أن‭ ‬أمنح‭ ‬الفرصة‭ ‬لأداء‭ ‬دور‭ ‬تاريخي‭ ‬لشخصية‭ ‬مغربية‭ ‬لم‭ ‬تكتشف‭ ‬بعد‭ ‬ولم‭ ‬يلقى‭ ‬لها‭ ‬البال‭ ‬بكتابة‭ ‬رصينة‭ ‬وإخراج‭ ‬يحترم‭ ‬تقنياته‭.‬

ما‭ ‬الذي‭ ‬يدفع‭ ‬الفنان‭ ‬سعيد‭ ‬غزالة‭ ‬لتقديم‭ ‬أفضل‭ ‬ما‭ ‬لديه؟

ككل‭ ‬فنان‭ ‬اختار‭ ‬حرفته‭ ‬بحب‭ ‬وتفاني‭ ‬وعشق‭ ‬الدور‭ ‬والكتابة‭ ‬وتشبع‭ ‬بقدسية‭ ‬الفن‭ ‬والدور‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬يلعبه‭ ‬لتقدم‭ ‬البلاد‭. ‬وعندما‭ ‬نطمح‭ ‬لتقديم‭ ‬أفضل‭ ‬ما‭ ‬يمكننا‭ ‬هو‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬إقناع‭ ‬ذواتنا‭ ‬بجدوى‭ ‬الاختيار‭ ‬والتميز‭ ‬داخل‭ ‬مجتمع‭ ‬ينتظر‭ ‬منا‭ ‬الأفضل‭. ‬إنها‭ ‬مسؤولية‭ ‬إنسانية‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬حاجة‭ ‬معيشية‭ ‬أو‭ ‬ترفية‭ ‬ورغبة‭ ‬في‭ ‬إقناع‭ ‬أنفسنا‭ ‬بالحق‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬مبدعين‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬يسحل‭ ‬الفنان‭ ‬ويصغر‭ ‬من‭ ‬وجوده‭. ‬

المسرح‭ ‬ليس‭ ‬عروضا‭ ‬للفرجة‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬يختزل‭ ‬في‭ ‬عمقه‭ ‬رسالات‭ ‬نبيلة‭ ‬ويعالج‭ ‬قضايا‭ ‬مختلفة،‭ ‬فما‭ ‬هي‭ ‬الرسائل‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬إيصالها‭ ‬وما‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬تتبناها؟

‭ ‬المسرح‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬فرجة‭ ‬تقدم‭ ‬هو‭ ‬فكرة‭ ‬تتمخض‭ ‬في‭ ‬رحم‭ ‬الكاتب‭ ‬الإبداعي‭. ‬وهي‭ ‬تضافر‭ ‬جهود‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المبدعين‭ ‬والعاملين‭ ‬والمصممين‭ ‬لصناعة‭ ‬تلك‭ ‬الفرجة‭. ‬وحتى‭ ‬يتسنى‭ ‬لهذه‭ ‬الفرجة‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬أغراضها‭ ‬فإنها‭ ‬تأخذ‭ ‬شرعيتها‭ ‬من‭ ‬وجاهتها‭ ‬فكرة‭ ‬وتأليف‭ ‬وإخراجا‭ ‬وتشخيصا‭ ‬وتتشفع‭ ‬بحمولة‭ ‬تربوية‭ ‬وتعليمية‭ ‬للمساهمة‭ ‬في‭ ‬التهذيب‭ ‬أو‭ ‬طرح‭ ‬الأسئلة‭ ‬الحارقة‭ ‬لمجتمع‭ ‬يطمح‭ ‬للحرية‭. ‬لهذا‭ ‬كل‭ ‬فرجة‭ ‬مسرحية‭ ‬حقيقية‭ ‬تحبل‭ ‬برسائل‭ ‬وقضايا‭ ‬راهنية‭ ‬أو‭ ‬تسوق‭ ‬حكايا‭ ‬لها‭ ‬حمولتها‭ ‬الفكرية‭ ‬والتنويعية‭ ‬التي‭ ‬تخلخل‭ ‬التفكير‭ ‬الجمعي‭ ‬لمجتمع‭ ‬متزن‭ ‬ينشد‭ ‬السعادة‭. ‬وبناء‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬قلت‭ ‬فإني‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬هذا‭ ‬أسعى‭ ‬بدوري‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬صروح‭ ‬السعادة‭ ‬التي‭ ‬ران‭ ‬عليها‭ ‬الظلم‭ ‬والتحقير‭ ‬والاستغلال‭ ‬والاحتكار‭. ‬ككل‭ ‬مثقف‭ ‬أتبنى‭ ‬قضايا‭ ‬إنسانية‭ ‬كونية‭ ‬صرفة‭ ‬تنتصر‭ ‬للحق‭ ‬والعدل‭ ‬والمساواة‭.‬

بين‭ ‬ثنائية‭ ‬التقليد‭ ‬والتجديد‭ ‬في‭ ‬الإخراج‭ ‬المسرحي،‭ ‬أين‭ ‬تكمن‭ ‬رؤية‭ ‬الإخراج‭ ‬لديك؟‭ ‬

الإخراج‭ ‬إبداع‭ ‬وصناعة،‭ ‬وليس‭ ‬توجيهات‭ ‬سينيكية‭ ‬وتموضعات‭ ‬على‭ ‬الخشبة‭ ‬وما‭ ‬دون‭ ‬ذلك‭. ‬هو‭ ‬الفعل‭ ‬الخارج‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬الحدث‭ ‬أو‭ ‬الحوار‭ ‬أو‭ ‬الشخصية‭ ‬لتحقيق‭ ‬تحركات‭ ‬في‭ ‬فضاء‭ ‬مختار‭ ‬بعناية‭ ‬لاستكمال‭ ‬الصورة‭ ‬المبدعة‭ ‬عند‭ ‬المؤلف‭ ‬وتنزيله‭ ‬بوسائل‭ ‬مبتكرة‭ ‬محينة‭ ‬تستجيب‭ ‬لتطلعات‭ ‬جمهور‭ ‬حقيقي‭ ‬متعطش‭ ‬للفرجة‭ ‬المغيرة‭. ‬وليس‭ ‬في‭ ‬الإخراج‭ ‬تقليد‭ ‬بل‭ ‬نقول‭ ‬نقل‭. ‬أما‭ ‬التجديد‭ ‬فهو‭ ‬الإبداع‭ ‬بوسائل‭ ‬تحيينية‭ ‬لكنها‭ ‬لا‭ ‬تخرج‭ ‬على‭ ‬تقديس‭ ‬الخشبة‭ ‬كمنطلق‭ ‬حياة‭. ‬وأنا‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬أسعى‭ ‬دائما‭ ‬لاحترام‭ ‬الفضاء‭ ‬العام‭ ‬للفرجة‭ ‬دون‭ ‬إهمال‭ ‬أي‭ ‬جانب‭ ‬من‭ ‬جوانبه‭ ‬مع‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬طرح‭ ‬كل‭ ‬الأسئلة‭ ‬الممكنة‭ ‬لصناعة‭ ‬فرجة‭ ‬متكاملة‭. ‬وهذا‭ ‬مجهود‭ ‬يتطلب‭ ‬مني‭ ‬قوة‭ ‬وصبرا‭ ‬وكثير‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬لخلق‭ ‬تلك‭ ‬المتعة‭ ‬المفتقدة‭ ‬في‭ ‬المسرح‭ ‬المغربي‭ ‬الذي‭ ‬أنهكه‭ ‬التقليد‭ ‬والنقل‭ ‬والاقتباسات‭ ‬البئيسة‭.‬

المسرح‭ ‬حصن‭ ‬لا‭ ‬ينهار‭ ‬بمقاتلين‭ ‬يحرصون‭ ‬على‭ ‬استمرار‭ ‬بقائه‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬معيقات‭ ‬وأزمات‭ ‬تحاصره،‭ ‬برأيك‭ ‬أنت‭ ‬وحسب‭ ‬تجربتك‭ (…) ‬في‭ ‬دهاليزه‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬المسرح‭ ‬اليوم‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬أوجه‭ ‬المقاربة‭ ‬والمفارقة‭ ‬بين‭ ‬مسرح‭ ‬اليوم‭ ‬والأمس؟

المسرح‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬التاريخ‭ ‬كان‭ ‬طابورا‭ ‬خامسا‭ ‬بمعنى‭ ‬الوجه‭ ‬المكشوف‭ ‬لكل‭ ‬عيوب‭ ‬الحاكم‭ ‬والمحكوم‭ ‬والفعل‭ ‬المباشر‭ ‬الذي‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬الظلم‭ ‬ويفضح‭ ‬ملامح‭ ‬الشر‭ ‬والابتذال‭ ‬في‭ ‬المجتمعات،‭ ‬وكونه‭ ‬يحرص‭ ‬على‭ ‬فعل‭ ‬المكاشفة‭ ‬واحتواء‭ ‬كل‭ ‬الفنون‭ ‬فوجوده‭ ‬يلزم‭ ‬القيمين‭ ‬على‭ ‬صناعة‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬فنونها،‭ ‬لأنه‭ ‬مظهر‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬الحضارة‭ ‬ووسيلة‭ ‬لإيصال‭ ‬كل‭ ‬الآراء‭ ‬والأفكار‭ ‬الممكنة‭ ‬وغير‭ ‬الممكنة‭ ‬ويجد‭ ‬دائما‭ ‬من‭ ‬يدافع‭ ‬عنه‭ ‬ويحرص‭ ‬على‭ ‬بقائه‭ ‬رغم‭ ‬قوته‭ ‬التغييرية‭ ‬التي‭ ‬تؤرق‭ ‬الناهب‭ ‬والحاكم‭ ‬المتسلط‭ ‬والمنظومة‭ ‬الاحتكارية‭ ‬للخيرات‭. ‬وهو‭ ‬المتنفس‭ ‬الوحيد‭ ‬للمثقف‭ ‬المناضل‭ ‬الراديكالي‭ ‬والمتغير‭. ‬كان‭ ‬مسرح‭ ‬الأمس‭ ‬مسرح‭ ‬تجريب‭ ‬وبحث‭ ‬عن‭ ‬هوية‭ ‬له‭ ‬داخل‭ ‬مجتمع‭ ‬هو‭ ‬حديث‭ ‬بالنسبة‭ ‬لها‭. ‬وبقي‭ ‬كذلك‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬أواخر‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬حيث‭ ‬ركب‭ ‬موجة‭ ‬المسرح‭ ‬الموجه‭ ‬أو‭ ‬الشعبي‭ ‬ليتموقع‭ ‬داخل‭ ‬المقبول‭ ‬اليومي‭. ‬وتبقى‭ ‬التجارب‭ ‬الجادة‭ ‬حبيسة‭ ‬منظومة‭ ‬سياسية‭ ‬محكمة‭ ‬ومهراجانات‭ ‬ومناسبات‭ ‬ولقاءات‭ ‬محدودة‭…‬كونها‭ ‬تجارب‭ ‬شبه‭ ‬نخبوية‭. ‬أو‭ ‬تتلمس‭ ‬تموقعها‭ ‬في‭ ‬ساحة‭ ‬ملغومة‭ ‬بالتفاهة‭ ‬والحاجة‭ ‬للترفيه‭. ‬

ماهو‭ ‬جديدك‭ ‬الفني‭ ‬مستقبلا؟

أعمل‭ ‬على‭ ‬إعداد‭ ‬عمل‭ ‬مسرحي‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬انحسار‭ ‬هذه‭ ‬الجائحة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬الأثر‭ ‬السلبي‭ ‬على‭ ‬أداء‭ ‬الفنان‭ ‬بالخصوص‭ ‬وانسداد‭ ‬كل‭ ‬منافذ‭ ‬التنفس‭ ‬الإبداعي‭. ‬كما‭ ‬ستصدر‭ ‬لي‭ ‬نصوص‭ ‬مسرحية‭ ‬ورواية‭ ‬جديدة‭ ‬وليدة‭ ‬الحجر‭ ‬الصحي‭.‬

في‭ ‬الختام،‭ ‬أترك‭ ‬لك‭ ‬الكلمة‭ ‬الأخير؟‭.‬

أقول‭ ‬شكرا‭ ‬لك‭.. ‬وشكرا‭ ‬للقارئ‭.‬

حاورته: حسناء الفرجاني

عن منال شوقي

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إلى الأعلى