يرتكب الأطفال مجموعة من السلوكيات تحسب في قاموس الكبار على أنها أخطاء، ولكن هذا الصغير والذي بالكاد يتعرف على العالم الخارجي وعاداته قد يعتبرها أمورا في غاية البساطة، وهنا يكمن دور الأبوين الذي يعتبر جد ضروري وحاسم في عملية النمو التربوي للطفل، كما أن المختصين في هذا المجال يعزون مجموعة من الاضطرابات التي تصيب الإنسان إلى مرحلة الطفولة المبكرة وعلاقته بأبويه، لذا لا يجب أن يكون العقاب مؤثرا بشكل كبير في نفسية الطفل كي لا تصاحبه نتائجها في الكبر.
الضرب سلاح دو حدين..
قد يشعرك ضربك لابنك ببعض الارتياح النسبي، فالطفل سيمتنع عن الفعل لدقائق، لكن سرعان ما ينقلب الأمر عليك، فالضرب الكثير والمبرح لا يزيد إلا الطينة بلة، فهذا الصغير لا يدرك معناه ولماذا ضرب.. كما أن اعتياده على الضرب يفقد هذا الأخير(أي الضرب) هيبته، من تمة ضاعت النتيجة المراد تحقيقها من خلاله. وتعويد الطفل على الضرب ينمي داخله الإحساس بالدونية والتحقير نتيجة ما ألفه من معاملة سيئة مبنية على الضرب.
كثرة الدلال مفسد أيضا..
في مقابل الضرب والإهانة، هناك من الآباء من يكثر في الدلال والإطراء على أبنائهم على الرغم من سلوكياتهم غير السليمة، وهذا ما يعتبره المختصون كذلك من الأخطاء التربوية الخطيرة جدا، فالطفل الذي ألف الدلال من والديه ينمو بتصرفات طفولية خالية من المسؤولية تجاه الآخر وتجاه العالم الخارجي، فتجده يتصرف بنفس الطريقة التي يتصرف بها في منزل والديه، مما يعرضه للاصطدام بالآخر الذي هو غريب عنه، وغير مجبر على تحمل أو تقبل طباعه السيئة، الشيء الذي ينجم عنه إحباط في نفسية هذا الشخص الذي ألف الدلال من والديه.
الحل الأمثل..؟!
لا الضرب والتعنيف ولا كثرة الدلال تنفعان إذن ما الحل؟ إذا أخطأ طفلك، كان لزاما عليك عقابه، وهذه قاعدة لا يختلف حولها أحد، لكن الاختلاف حول كيفية العقاب، ولا توجد قاعدة عامة لعقاب الطفل، فالعقاب قرين بسن الطفل ونوعية الخطأ والتركيبة النفسية التي ينتمي إليها طفلك، لكن على العموم يجب اعتماد الحزم لا الشدة، أي عدم التنازل في إيقاع العقاب مهما كان خفيفا، وليس بالضرورة أن يكون عقابا شديدا، المهم أن يفهم الطفل أن هذا التصرف لم يرق لوالديه.
ويقسم المختصون العقاب إلى أنواع:
أولا: عقاب الأحاسيس أو المشاعر، هذا العقاب يستعمل للأطفال الصغار في السن، ويكون معتمد عل الإيماءات بالوجه المعبرة على الخصام أو شدة الغضب دون ترجمتها لأفعال، فالطفل حينها يدرك تماما أن ما قام به خطأ ترتب عنه غضب أمه أو أبيه.
ثانيا: عقاب المنع، يتمحور هذا النوع من العقاب أساسا حول ما يثير اهتمام الطفل وإعجابه، إذ يتم حرمانه منها في حالة تصرفه الخاطئ، هذا النوع من العقاب يتم اعتماده للأطفال الأكبر سنا، لأنه الأكثر ارتباطا بأماكن معينة، كالذهاب للملاهي والخروج في نزهة أو مشاهدة الأفلام الكرتونية.
ثالثا: عقاب التجاهل، يبقى هذا العقاب هو آخر حل للوالدين إذا استنفذا جميع الطرق، لأن هذا النوع يعتمد عزل الطفل بعيدا عن الآخرين وتجاهله، وللإشارة فهذا التجاهل والعزل يجب أن يتناسب وسن الطفل وأن يكون وجيز المدة، بمعنى إذا كان عمر طفلك خمس سنوات يجب أن تكون مدة عزله خمس دقائق ليس خمس ساعات مثلا.
والمنظومة التربوية للطفل لا تستقيم بالعقوبات فقط، بل بالمكافئات كذلك التي تحفز الطفل على الاستمرار في ممارسة الفعل الحسن، فالطفل الذي يثاب على الأفعال الحسنة يتشجع أكثر لتكرار هذا الفعل، وكما أن العقاب أنواع وأقسام، فالمكافئة كذلك، وتأتي مكافئة المشاعر في المرتبة الأولى، فما هي هذه المكافئة؟
كافئي طفلك عن كل عمل جيد..
قد تعتبرين عناقك لطفلك وتقبيلك له تصرفات غريزية لا نتيجة من ورائها، هذا الأمر خطأ، فأهم الوسائل المتبع في المكافأ بطرق تربوية هي العناق والابتسامة والتقبيل لأنها تعزز ثقة الطفل بنفسه، كما أنها تنمي داخل الطفل أواصر الارتباط بأمه نتيجة هذا الفعل الحسن، بمعنى أن الطفل الذي يتصرف بطريقة حسنة ومأدبة يكون أكثر قربا من أمه ومن حنانها.
هناك أيضا مكافئة عينية أو مادية، أي إعطاء الطفل النقود أو الحلوى عندما يتصرف تصرفا حسنا كرد فعل على ذلك، وتعتبر هذه المكافئة جدا ناجحة وذات أهمية كبيرة في نفسية الأطفال، حيث إن رغبتهم الشديدة في بعض الأشياء ستكون دائما وراء تصرفاته الحسنة ليتمكنوا من الوصول إلى مرادهم.
أساليب أخرى مرفوضة..
إذا كان العقاب البدني مرفوض كوسيلة لضبط السلوك أو ما نسمه بالتأديب، فإن هناك أساليب أخرى مرفوضة أيضا لكن ليس بسب خطورتها بل بسبب عدم جدواها، ومن ذلك اللجوء إلى التهديد مع عدم القيام بتنفيذه والتشدد والحزم مرة والتراخي والسماح بالعصيان مرات والضحك أثناء عقاب الطفل، والصراخ في وجه الطفل والشكوى من الطفل أمام الأقارب.
مثل هذه الأساليب تقلل من قدرة الوالدان على التأثير في سلوك الطفل، لأنه سوف يتعلم أنهم (الوالدين) ليسوا جادين وأن بإمكانه أن يتجاوز الحدود دون أي مساءلة جادة.
وأخيرا..
كثرة الصراخ في وجه طفلكم يحقق لكم متنفسا تتخلصون من خلاله من الضغط اليومي، لكنه يجعلكم في موقف ضعف، لأنكم تفقدون من خلاله توازنكم.
كما يجب أن لا يكون العقاب انتقاميا حسب مزاج الأبوين، بل يجب أن يكون الغرض من خلاله الإصلاح وتربية النشء على المنهاج القويم.
وأيضا على المربي أن يراعي التدرج في العقاب حسب سن الطفل وشخصيته.