هي حقا ملاك الرحمة التي وهبها الله لخلقه على سطح الأرض.. طبيبة تسعى جاهدا لمساعدة المرضى والفقراء منهم بالخصوص، وهذا ما جعلها تترأس أول جمعية بالمغرب تعنى بالأمراض الذاتية أطلقت عليها “أماييس”.. طبيبة باطنية لكن تخصصاتها عديدة فهي تشخص الأمراض الجهازية وأمراض المفاصل والعظام والأمراض الغددية والأمراض الدموية والسرطانية والجهاز العصبي وأمراض الشيخوخة.. وكل هذا لا يثنيها عن دراسة تخصصات أخرى والتطلع إلى آخر ما وصل إليه الطب في العالم.. حلم الطب عندها بدأ في سن 13 عاما عندما لعبت دور الطبيب في مسرحية “المريض المتوهم” لموليير خلال حفل نهاية السنة الدراسية، فأحبت السماعة وبذلة الطبيب فقررت أن تصبح طبيبة.. هي الآن طبيبة ناجحة، محبوبة وكل مرضاها يحبونها لأنها تستمع إليهم وتوسع قلبها لأنينهم وتساعدهم قدر الإمكان.. هي صاحبة الوزرة البيضاء الدكتورة خديجة موسيار التي تضحي بوقتها وجهدها في سبيل التخفيف عن آلام الآخرين وعلاجهم..
خديجة الإنسانة..
ترعرعت خديجة في مدينة الدار البيضاء وسط عائلة متواضعة، لكنها تشجع على التعليم والدراسة خصوصا الأب.. دراستها الثانوية كانت في ثانوية ولادة ثم في كلية الطب والصيدلة بالدار البيضاء، لتلتحق بالديار الفرنسية وتكمل شطرا من دراستها في الطب بباريس.
“طفولتي كانت فيها كثير من المرح، تقول خديجة، ولكن مع الجد في الدراسة كان هناك ولع وفضول كبير مع حب عارم للمعرفة والتعلم مع ثقافة المجهود والمثابرة”.
مسرحية موليير سبب ولوجها للطب
هناك من يبدأ الغناء منذ نعومة أظافره وهناك من يولع بالطب أو المحاماة أو التعليم أو الطيران منذ صغره.. خديجة كانت أحد هؤلاء، فقد بدأ ميولها للطب في الثالثة عشر من عمرها، وكانت لمسرحية المريض المتوهم لموليير في حفل نهاية السنة الدراسية تأثيرا كبيرا على توجهها العلمي.. “لعبت في المسرحية دور الطبيب، تقول خديجة، وقد أعجبني ارتداء البلوزة واستعمال السماعة، عندها فكرت بجد في الطب، وعندما بدأت دراستي في الكلية لم أكن أكترث لطول المشوار ولا بصعوبته، وعندما بدأت أتمرن على المهنة وأمارسها عرفت حينها أن التكفل بالمريض وامتصاص معاناته والتفكير في معالجتها بأحسن الطرق، يتطلب الكثير من العمل والمثابرة والحب ولا يتوقف على بلوزة وسماعة، لذلك حسب رأيي فإن الشق الإنساني مهم جدا لاحتراف مهنة الطب”.
تخصصات عديدة لملاك الرحمة
شغفها بالطب جعلها تدرس تخصصات كثيرا نادرا جدا إن وجد أن يتخصص مثله طبيب آخر، فهي أخصائية في الطب الباطني بالدرجة الأولى والأمراض الجهازية والأعراض الكبرى وأمراض المفاصل والعظام وأمراض الغدد والأمراض الدموية والأمراض السرطانية وأمراض الجهاز العصبي والأمراض الجلدية وأمراض الشيخوخة.. تقول خديجة:”ساعدني الحظ كثيرا، فلم يكن لدي فترة ركود في مساري الدراسي، كان شغفي بالطب الباطني يوافق حبي للمعرفة.. أنت تعرفين، سيدتي الفاضلة، أن الطب الباطني من أطول وأكثر التخصصات تعقدا.. كان حجم المقررات هائلا شبهته ببحرمترامي الأطراف، و قلت في نفسي لابد من إبحاره واكتشاف سطحه قبل الغوص في أعماقه وحصاد ما يحويه من معارف.. وثقي بي لازلت لم أخرج من هذا الغوص بعد أكثر من عشرين سنة على بداية التخصص”.
“الطب الباطني، تضيف خديجة، هو طب شمولي حديث العهد حيث أسس في أواخر القرن التاسع عشر في ألمانيا، وجاء ليكمل بنيانا فيه أعمدة ويلزمه سقف، وبذلك يخترق الطب الباطني جميع التخصصات ويتكفل بتشخيص الأمراض الشائعة والمستعصية فمن الممكن أن يكون العارض في عضو ما ويكون السبب الجوهري في مكان آخر. أو أن يكون علامات متعددة ولكن تكون لها علاقة بمرض واحد، نطلق عليه مرض جهازي وهنا يتجلى دور الطب الباطني”.
طبيبة ورئيسة جمعية فريدة
دائما كان لدي إيمان راسخ بأن الالتزام في العمل الجمعوي ينمي كفاءات الشخص نفسه، لما يتطلب ذلك من احتكاك مع الأشخاص وإعداد للنشاطات.. وهكذا أسست الجمعية المغربية لأمراض المناعة الذاتية والجهازية (أماييس) في أواخر سنة 2010 مع مجموعة من ذوي النوايا الحسنة، تتكون أماييس من مهنيي الصحة من مرضى ومن شخصيات من المجتمع المدني.. “إن أمراض المناعة الذاتية، تشرح الدكتورة موسيار، هي مجموعة أمراض تعد بالمئات يتكون خلل في جهاز المناعة ويبدأ في مهاجمة مكونات الجسم السليمة، وهذا النوع من الأمراض يخص النساء بدرجة أولى، ويمكن أن يوثر على عضو واحد أو أعضاء عديدة.. وكل الأعضاء لها أمراض خاصة بها، وبالأخص الغدة الدرقية والجلد والذي تتجلى في الصدفية والبرص، كذلك الذئبة الحمراء ومتلازمة شوغرين هما من أمراض المناعة الذاتية الجهازية التي توثر على أعضاء كثيرة مع وجود حساسية للشمس في المرض الأول وجفاف في الأغشية المخاطية في الثاني”.
تعتبر أماييس التي ترأسها الدكتورة خديجة موسيار أول جمعية في المغرب تتكفل بمفهوم المناعة الذاتية كمفهوم واحد وموحد، فمن الممكن أن تكون لدى نفس المريض أكثر من مرض مناعي ذاتي، لأن وجود مرض ذاتي يؤهل لحلول مرض ثاني وثالث، كما أن أفراد العائلة مهددين شيئا فشيئا من الإصابة بأمراض المناعة الذاتية .. “بكل افتخار، تقول موسيار، لا يوجد جمعية موازية لأماييس إلا في الولايات المتحدة التي بها جمعية قوية ولها نفوذ وأعضاء من العيار الثقيل، نعتز بشراكتنا والعلاقة التي تربطنا بها كما مع جمعيات أخرى”.
وتنظم الجمعية عدة نشاطات موجهة من جهة إلى المرضى ومن جهة أخرى إلى الأطباء وفي بعض الأحيان تجمع كلاهما.. وقد ساهمت أماييس في تكوين جمعيات أخرى تهتم وتركز على مرض مناعي أو جهازي مثل الداء الزلاقي أو الحمى العائلية المتوسطية.
مشوار صعب لكنه ممتع
دائما تكون طريق النجاح مفروشة بالشوك بدل الورد، فأن يحلم الشخص ويحاول تحقيق حلمه وسط عالم بالكاد يتقبل الجديد هو أمر في غاية التعقيد. وهذا ما حصل مع الدكتورة خديجة موسيار في مشوارها الجمعوي، لكنها ثابرت وخلقت لمحيطها جوا جعل الكل يستسيغ فكرتها ومثابرتها وعملها..
“التعريف بأمراض المناعة الذاتية لعامة الناس لم يكن بالأمر السهل، تقول موسيار، لأنه مفهوم جديد ومعقد، كانت هناك صعوبات لغوية لأن كثيرا من أسماء الأمراض ليس لها موازي باللغة العربية ويتم استعمال الاسم الانجليزي المعرب..
ولا بد للإشارة أنه ثم بفضل الجمعية إعطاء متلازمة شوغرين تسمية ‘مرض النشوفية’ باللغة الدارجة المغربية ولقي إقبالا كبيرا من المرضى و قربهم أكثر من مرضهم”.
وراء كل نجاح امرأة رجل يساندها
عندما تكون المرأة متزوجة وأم لأبناء وموظفة يكون الحمل ثقيلا عليها فما بالك برئاسة جمعية لها عدد كبير من الاهتمامات والمساعدات لكل من يدقون الباب.. لكن عندما يتواجد زوج يضع يده بيده زوجته ويسعى جاهدا لمساعدتها على تخطي سلالم النجاح، فهنا تشعر المرأة بالراحة والسعادة وتسعى بدورها لإنجاح حياتها الأسرية والزوجية والعملية والجمعوية. وهذا ما حصل أيضا مع الدكتورة خديجة موسيار التي كان زوجها الرفيق الدائم لها والمساعد لها في كل الظروف، حيث لم يبخل عليها بوقته ووقف إلى جانبها بل ومازال يقف معها.. “أعترف أن الأمر كان صعبا، تقول خديجة، وكان لا بد من التضحية والصبر والكثير من العمل، ولكن المكافأة تكون دائما في الموعد في تطوير معارفي الشخصية، وكما قال الشاعر: من يركب البحر لا يخشى الغرق.. إن مساندة زوجي كانت مهمة جدا في مشواري، أشكره عليها جدا وهذا كان من حظي”. لموسيار طفلة وحيدة تتمنى أن تشق طريقها وتختار المهنة التي تجد فيها ميولها وتحقق ذاتها.
نصيحة لأطباء المستقبل..
“أحثهم على اختيار الطب الباطني كتخصص، تقول موسيار، لأنه بدأ يأخذ مكانة كبيرة في الأنظمة الصحية في البلدان الأكثر تقدما.. فالنظام الصحي الذي يعتمد على الطب الباطني يحقق إدارة جيدة للموارد المالية لإمكانية الطبيب الواحد بالتكفل بأمراض عدة لذلك نشبه أخصائي الطب الباطني بالرياضي المتعدد المواهب والتحديات.. ولعل خير دليل على ذلك دكتور هاوس أشهر طبيب في العالم مع سلسلته التلفزيونية الشهيرة في كل بقاع العالم وهو أخصائي في الطب الباطني”.