مرت السنوات الأربع سريعا وكأنها شهور، مرت بسرعة البرق علينا وعلى السفير المصري بالمغرب أبو بكر حفني محمود.. لن ننسى استقباله لمجلتنا وترحابه الكبيرين بها، لن ننسى ذلك السفير الطيب المتواضع والبسيط والمحب للمغرب. لن ننسى أيضا القصة التي رواها لنا بكل فخر عن جذوره المغربية وعن جده المغربي الذي سافر إلى مصر خلال السنوات الطويلة الماضية ليستقر هناك ويتزوج بجارية تركية اشتراها فأعتقها، ليتبين بعد سنوات أنها من أعرق العائلات التركية وأغناها، انقطع حبل الجد بوطنه الأم فعاش مصريا وأنجب أبناء وحفدة، وهؤلاء أنجبوا أحفادا فكان أبو بكر حفني محمود..
لن ننسى أيضا بصماته التي طبعها بكل مصداقية منذ أن حط به ترحال العمل الديبلوماسي ببلده الثاني المغرب، ولن ينسى كذلك أولئك المتوافدين على السفارة المصرية تخصيص طابق أرضي مجهز لاستقبالهم بدل وقوفهم تحت لهيب الشمس أو قطرات المطر لساعات في انتظار انقضاء حوائجهم كما كانوا في السابق. ولن ينسى الجميع تحركاته الدبلوماسية في تقريب الحكومتين الشقيقتين والعمل معا في عدد من الشؤون الثقافية والسياسية والتجارية وغيرها..
خلال هذا العدد، قررنا أن ننجز دردشة سريعة مع ضيف لطالما كان عزيزا وغاليا على مجلتنا.. ضيف سيغادر المغرب قريبا على إثر انتهاء عمله الديبلوماسي بالمغرب، لكن حبه للمغاربة ولبلده الثاني سيشدانه إلى زيارته كلما سنحت له الفرصة، وهذا ما أكده خلال دردشتنا التالية..
نبدأ حديثنا بالاحتفال الذي تقيمونه بمناسبة ذكرى ثورة يوليوز 1952 والذي يأتي قبل موعد الاحتفاء به، حدثنا عن ذلك؟
بالفعل تحتفي سفارة الجمهورية العربية المصرية بذكرى ثورة 23 يوليوز 1952، هذا اليوم الذي يصادف ميلاد أول جمهورية تحت قيادة الزعيم جمال عبد الناصر الذي كان الرئيس الفعلي للجنة التأسيسية للضباط الأحرار والذي بدأ بعهد جديد لمصر ويعود له الفضل في الاهتمام بالقومية العربية..
إن هذه السنة، تحمل ذكرى 23 يوليوز في طياتها طابعا خاصا أيضا، فهي تأتي هذه السنة في نفس الآن مع ميلاد ثورة ثانية للجمهورية وتولي الدكتور محمد مرسي الرئاسة كأول رئيس من النظام الإسلامي يفوز ومنذ عقود خلت برئاسة الجمهورية العربية المصرية بعد إجراء انتخابات جرت بكل نزاهة وشفافية تمكن خلالها الشعب المصري من الانتخاب بكل حرية، وترشيح من رأى أنه يستحق أن يضمن له عيشا كريما. ونحن نحتفل هنا في المغرب بهذه المناسبة مع أشقائنا المغاربة الذين هم إخوتنا أيضا.
يحزننا مغادرتك المغرب الذي هو بلا شك بلدك أيضا، كيف تقيم العلاقات المغربية المصرية خلال المدة التي قضيتها بالمغرب؟
أنا أيضا يحزنني ذلك، لكنها ضريبة العمل الديبلوماسي، وأنا متأكد أن روحي ستظل مع أشقائي المغاربة الذين أكن لهم كل حب وتقدير.. بالنسبة للعلاقات المغربية المصرية فهي علاقات خاصة جدا تم تأكيدها من خلال التوقيع، في يناير 2011 على مذكرة إنشاء أول حوار سياسي وإستراتيجي بين البلدين وعقدت الدورة الأولى هنا في أوائل يناير 2011، أما الدورة الثانية فقد عقدت في القاهرة بين الوزيرين السيد العثماني والسيد محمد كامل عمر يوم 18 يوليو 2012، وتمخض عنها نتائج مباشرة منها توسيع الحوار الاستراتيجي بين البلدين الذي ابتدأ بالفعل بعقد لجنة قنصلية بين البلدين لنشر القضايا القنصلية، وسيتم إنشاء لجنة وزراء خارجية دول اتفاقية أكادير لإعطاء البعد السياسي اللازم لهذه الاتفاقية الاقتصادية التي تندرج في اتفاقية القطاع الحر بين الدول الأربعة، وستنظم فلسطين قريبا لهذه الاتفاقية.. فالعلاقات بين البلدين كبيرة وقديمة ومتطورة.
وعلى المستوى غير الرسمي المغرب، كان بالنسبة لي أنا ونهال البلد الذي احتضننا منذ اللحظة التي وصلنا فيها إلى مطار الدار البيضاء والاهتمام الذي تلقيناه من طرف الزملاء في وزارة الشؤون الخارجية كان وقعه الخاص علينا الذي لن ننساه كذلك.
ما هي الانطباعات التي أخذتها عن المغرب؟ وما هي الأشياء التي ستبقى راسخة في ذهنك؟
المغرب بلد جميل جدا، وقد تجولت في عدد كبير من مدنه.. زرت جميع المدن المغربية الكبرى بلا استثناء، طبعا ما أعجبني بشدة، هناك ثلاثة أماكن بشكل خاص أثرت في كثيرا، أبرزها شفشاون تلك المدينة الساحرة جدا التي لديها سمات خاصة لا توجد في أي مكان آخر في العالم، تلك الطبيعة الخلابة والناس هناك لديهم نوع من السماحة والرضى والهدوء، وطبعا هذا منعكس من الجبل والهدوء الجبلي والرياح الجبلية والأكسجين النقي الذي جعل الناس لديها نوع من الود والرقة في التعامل مع الآخرين.. إفران مدينة رائعة الجمال، طبيعتها حلوة لم نتعود عليها كمصريين، هذه الطبيعة الجبلية والثلج والخضرة هي أمور لا توجد في مصر ولم نرها من قبل.. فاس ومراكش لا تحتاجان أن نتحدث عنهما خصوصا من حيث الصفاء النفسي، شوارع فاس الجميلة التي لا تنتهي وبدوري زرتها عشر مرات للآن.. أحببت كثيرا مدينة وليلي ومولاي إدريس، وربما لا يعلم الكثير من المغاربة أن مولاي إدريس عاش في مصر أولا فترة قصيرة جدا، قبل انتقاله إلى المغرب، وله في مصر عائلات من الشرفاء الأدارسة، وجمعية للشرفاء الأدارسة في مصر مفخرة لنا أن ننتمي إليهم، وزيارتي لمولاي إدريس وأماكن أخرى كلها ستبقى راسخة في ذهني وتظل ذكرياتها الجميلة في نفسي أبدا..
هل ستستمر علاقاتك بالمغرب وستزوره باستمرار، خصوصا أن لديك جذور مغربية؟
أكيد سأزور بلدي الثاني، فأنا ونهال زوجتي سنترك هذه الأرض الجميلة وكرم الضيافة الذي تلقيناه فيها بعدما كونا العديد من الصداقات، وستبقون جميعا في عقلنا ومحبتنا لكم لن يزعزعها وقت ولا مسافات وبالطبع أرحب بجميع الأصدقاء بمنزلي بالقاهرة وأكيد أنا مرحب بي كلما سنحت لي الفرصة لزيارة مغربنا الحبيب وأهله الطيبين.
أريد، عند مغادرة المغرب، تقديم أحر شكري على اللطف والتعاون والصداقة التي وجدت من الشعب المغربي، سواء على الصعيد الشخصي أو المهني، كما أتوجه بالشكر إلى الجالية المصرية في المغرب لدعمهم لي على مدى السنوات الأربع الماضية، كما أود أن أشكر كل من ساندني في السفارة دون استثناء.
وسأغادر المغرب وأنا مقتنع بحقيقة أساسية هي أن الصداقة المغربية المصرية هي ضرورة تاريخية اقتصادية وفكرية ليس فقط لشعبينا وإنما هي أيضا ضرورة للانتماءات العربية، الإسلامية، الإفريقية والمتوسطية، ومرة أخرى أنا ونهال نقول لكم شكرا.