لا شك أن الطلاق من أصعب المواقف التي قد يمر بها الزوجان، رغم أن الأبحاث أثبتت أن تأثيره كبير على الرجل أكثر من المرأة.. فالطلاق بالنسبة للرجل هو من أكثر المشاكل العاطفية صعوبا وتعقيدا، وعلى الرغم من أن الرجال تكون لهم قدرة كبيرة على التكيف مع المشكلات، لكنهم في المقابل يميلون إلى عزل أنفسهم عن التجمعات عندما يواجهون مشكلة الطلاق، كما أن الرجل أقل استعدادا للإنفصال من الناحية العاطفية، وذلك عندما يحدث الإختلال العاطفي يكون الرجل أقل قدرة على التعبير عن مشاعره، بالإضافة إلى أن الرجل يتعامل مع زوجته بطريقة مختلفة في حالة اكتئابه لذلك فالمشاعر الحقيقية لا تظهر دائما في تعاملاته، بخلاف المرأة، فهي غالبا ما تقاوم آثار الطلاق، ويساعدها في ذلك عودتها لأسرتها، ووجود التعاطف والمأزرة، خاصة إن لم تكن هي التي طلبت الطلاق، ولأن بعض النساء لايقبلن الإستسلام للحزن والندم، فيبحثن عن شريك جديد أو وظيفة تشغل فراغها العاطفي.
لكن، ما هي الأسباب التي تجعل المرأة تطلب الطلاق، وهل هي نفسها التي تدفع الزوج لقول «أنت طالق» لزوجته؟..
في مقهى فاخر، قررت ثلاث نسوة في مقتبل العمر التوجه في نهاية الأسبوع إلى ناد ليلي للاحتفالا بطلاقهن، «لقد حكم بطلاقي مؤخرا، وصديقتاي مرتا بتجربة مماثلة، ولذلك اقترحتا علي أن نحتفل نهاية الأسبوع بهاته الفترة الجديدة التي أقف على أعتابها».. تقول سهام 27 عاما عاملة في قسم التسويق في إحدى الشركات، والتي عبرت عن كونها تعيش المسألة بشكل طبيعي، مؤكدة أنها عاشت مراحل مسطرة الطلاق دون أية مشاكل، شأنها شأن صديقتيها اللتين لم تعتقدا يوما أن نهاية الزواج بمثابة نهاية العالم، وهو ما يبين أن الكثير من الرجال والنساء بالمغرب أضحوا يعتبرون الطلاق مسألة عادية.. وعن أسباب طلاقها تقول «عندما تصير العشرة الزوجية لا تطاق، وتكثر المشكلات بسبب وبغيره، يكون الانفصال هو الحل الأمثل.. وهو ما وقع بيني وبين طليقي»..
«الطلاق هو انفصال زوجين، وفسخ عقد الزواج بينهما، وله أسباب كثيرة ولا يعد من المحرمات» هكذا قالت أمينة 29 سنة، مضيفة «هاجرت إلى فرنسا التي أقطنها حاليا منذ ثلاث سنوات، ذهلت خلالها بأشياء كثيرة كانت غائبة تماما عن مخيلتي، فكنت أرى فرنسا الجدابة بأضوائها وعطرها وديموقراطيتها، ليأتي اليوم الذي التقيت فيه بزوجي، والذي كان مهاجرا يعمل بإحدى الشركات، استمرت علاقتنا لمدة سنة ونصف السنة، لأكتشف ذات يوم أنه يقيم علاقة مع فتاة أجنبية، صدمت في بادئ الأمر، لكن سرعان ما طلبت الطلاق.. رفض في الأول الفكرة، وأوهمني بأنه سيصبح وفيا.. لكني لم أعطه فرصة لأن فرصته الأولى فقدها، والتي تتمثل في قبولي الزواج منه، نعم تأثرت لمدة، لكن استجمعت قواي ونهضت..إلا أنه للأسف، وفي جميع المجالات، المرأة المطلقة تكون عبئا على العائلة، لذا قررت عدم العودة للمغرب والاستقرار بفرنسا»..
أما نادية 38 سنة، والتي قضت منها 10 سنوات في الزواج، فتقول عن تجربتها «بعد زواج دام لعشر سنوات، وأثمر تلاثة أبناء، استحال العيش في كنف زوج تعددت خياناته وتغيرت معاملته، حيث لا يدخل البيت إلا ليختلق شجارا يصل صداه إلى بيوت الجيران، حتى وصلنا إلى طريق مسدود لم يفلح معه إلا الطلاق».. وتضيف «بطبيعتي كامرأة لم أستسغ بداية الأمر الإحساس ككائن ضعيف يبحر في مستقبل مجهول رفقة مسؤولية تلاثة أبناء, لم أتحمل نظرة الإشفاق والعطف من مجتمع يكن للمرأة المطلقة دائما تلك النظرة الدونية, خلوت بنفسي وتصادقت مع أحاسيسي بحثا عن القوة والصمود لأواجه الحياة بكل التحديات, رجوعي إلى ميدان العمل كان الحافز الأساسي لتغيير أسلوب حياتي، استطعت أن أمنح أولادي حنان الأمومة وعطف الأبوة في آن واحد رغم تعددي مسؤولياتي, أشعر بتحرر شخصيتي وهدوء نفسيتي، خاصة عندما ألاحظ أن كل واحد من الأولاد ينهج الطريق السوي على مستوى التربية والدراسة, فالطلاق كما قال الله تعالى أبغض الحلال, لكنه فعلا قد يكون إنقادا لأسرة تعيش مرارة الحياة وسط أبناء يتأثرون بخلافات الأبوين مما يكون سببا في إهمالهم من كلا الطرفين».
في حين اعترفت نادية 27 عاما ,أنها تزوجت بعد قصة حب جميلة, ورغم أن عائلتها لم تكن راضية عن هذا الإرتباط لما عرف عنه من تعاطي الخمر، فهددتهم بالإنتحار.. تؤكد نادية قائلة «حاولت إصلاح زوجي مرات عدة، لكنني لم أنجح فاظطررت إلى طلب الطلاق رغم معارضة زوجي». وكذلك كان حال سميرة التي تزوجت بدورها بعد قصة حب, ثم ذهبت مع فتى أحلامها إلى الديار الإيطالية, وعملت على مساعدته، ثم عادا إلى المغرب وأسسا معا مصنعا وورشة لصنع السجاد المغربي التقليدي، إلى أن جاءت موظفة بالمصنع تخبرها أن رفيق دربها ارتبط مع إحدى العاملات في المصنع بعلاقة عاطفية، فطلبت سميرة الطلاق بعد أن ضبطت زوجها..
أما إلهام فمن جهتها تقول إنها تزوجت بعد أن تعرفت على خطيبها لمدة تزيد عن سنة، والذي تقمص طيلة مدة التعارف دور الرجل الوفي والمخلص معا, ولكن بعد مدة قصيرة من الزواج, أظهر وجهه الخفي، وهو وجه رجل مريض بالغيرة, إلى حد شعرت معه بالإختناق، تقول إلهام كان زوجي كثير الشك ,إلى جانب أنه كان بخيلا وغير ودود مع أهلي، وبعد طول تفكير طلبت الطلاق وحصلت عليه».
الرجال يصرخون: لم نطلب الطلاق إلا لهاته الأسباب
سمير، 30 سنة، مطلق حديثا، يقول عن تجربته «لم أعد أتحملها، فكلما أتذكرها يتعكر مزاجي إلى الأسوء, تزوجت بها بعد قصة حب جميلة، درست معي تلاث سنوات بالجامعة ثم دخلنا إلى قفص الزوجية، أرغمت عليها الجلوس بالمنزل، بما أنني سأوفر لها جميع المتطلبات, قضينا سنتين بدون أبناء وذلك برغبتنا نحن الإثنين, وبعد مدة أصبحت أحس بصداع شديد في رأسي, اعتقدت في بادئ الأمر أنها مسألة طبيعية جراء توثر العمل, وما نواجهه في الحياة, لكن مع مرور الوقت أصبح الصداع أكثر من الأول، وكلما أدخل إلى المنزل أحس بضيق في نفسي.. والغريب في الأمر أنها لم تكثرت لما كنت أعانيه، لتكتفي بقول إنه تعب العمل, وكعادتي أنهض في الصباح الباكر للذهاب إلى الشغل، لكن في ذلك الصباح لم أجد حدائي فلم أتجرأ أن أنهضها، وأنا بصدد البحث تحت السرير, إذ وجدت بعض الأوراق ملفوفة بإحكام، فتحتها فكانت الصاعقة الكبرى, وجدت صورتي وصورة والدتي مكتوب عليهم بطريقة غريبة، أخدت تلك الأشياء وذهبت بها إلى أمي، فعرفت أن الصداع الذي كان في رأسي من جراء الشعودة، ساعتها لم أفكر إلا في الطلاق، وهذا ما حصل بالفعل.. نعم إن كيدهن لعظيم، فنفسيتي تحطمت كثيرا».
أما سعيد، 33 سنة، فيقول عن سبب طلاقه «كثرة الغيرة وافتعال المشكلات، وعدم احترامي جعلني أفكر في الطلاق، خاصة وأن حياتي باتت جحيما لا يطاق مع زوجتي».. يضيف «فكان الطلاق الحل الوحيد لإنهاء مشوار حياة زوجية دام زهاء أربع سنوات».
في حين كان طلاق سمحمد 40 سنة، بسبب إلحاح زوجته الشديد عليه بتطليقها، يقول «لم أشأ تطليق زوجتي إلا أن إلحاحها الشديد وكثرة المشاكل بيننا بسبب أو بدونه جعلني أختار قرارا لم أكن يوما أضعه في حساباتي.. ألا وهو الطلاق».. ويضيف «لم أندم على ذلك لأنني حاولت إصلاح ما بيننا بالحسنى، لكنها لم تترك لي مجالا آخر غيره».
وبين أسباب النساء ومبررات الرجال، يبقى الطلاق أبغض الحلال عند الله، خاصة وإن كان الأولاد في منتصف هذه الصراعات..
رأي الدين ذ. نور الدين طلحاوي باحث في الدراسات الإسلامية
الزوجة التي تطلب الطلاق من غير سبب حرام عليها رائحة الجنة
الإسلام يبغض الطلاق وإن كان يحلله، فاستقرار الأسرة المسلمة هو أهم هدف يسعى إليه ديننا الحنيف، وعقد الزواج كما هو معلوم مبني على التأبيد، لا يتوقف مفعوله إلى أن يتوفى أحد الزوجين، ليتسنى لهما العيش في أمان واطمئمان ويكونا أسرة طيبة ومستقرة ماديا ونفسيا.. ولأجل ذلك، كانت الصلة بين الزوجين من أقدس الصلات وأوثقهامصداقا لقول الحق تعالى «وأخذن منكم ميثاقا غليظا». وإذا كانت العلاقة بين الزوجين هكذا موثقة مؤكدة، فإنه لا ينبغي الإخلال بها، ولا التهوين من شأنها. وكل أمر من شأنه أن يوهن من هذه الصلة، ويضعف من شأنها، فهو بغيض إلى الإسلام، لفوات المنافع وذهاب المصالح لكل من الزوجين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبغض الحلال إلى الله – عز وجل – الطلاق».
وأي إنسان أراد أن يفسد ما بين الزوجين من علاقة فهو في نظر الإسلام خارج عنه، وليس له شرف الانتساب إليه، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من خبب – أي أفسد – امرأة على زوجها». والزوجة التي تطلب الطلاق من غير سبب، حرام عليها رائحة الجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة سألت زوجها طلاقا من غير بأس، فحرام عليها رائحة الجنة. وقد اختلفت آراء الفقهاء في حكم الطلاق، والأصح من هذه الآراء، رأي الذين ذهبوا إلى حظره إلا لحاجة، واستدلوا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لعن الله كل ذواق، مطلاق». ولأن في الطلاق كفرا لنعمة الله، فإن الزواج نعمة من نعمه، وكفران النعمة حرام فلا يحل إلا لضرورة.