كيف تلبي أحلام المغاربة.. ومن المستفيد الحقيقي من بركاتها؟
إن كان المشرق بلد الأديان السماوية والأنبياء، فالمغرب بلد الكرامات والأولياء.. إذ لا تخلو قرية أو مدينة مغربية من ضريح ولي صالح يتبرك به أهلها ويشد له الرحال للتداوي وحل المشاكل النفسية والاجتماعية… لكل ضريح قصة، ولكل ضريح أيضا اختصاص، فمنها من هو مخصص لفك السحر، وآخر للزواج وعلاج العنوسة، والبعض للإنجاب… وقليل منها عام يحل جميع المشاكل..
من كل حدب وصوب، يتوافد عشرات الأشخاص يوميا، بل والمئات والآلاف في بعض الأيام التي تعرف «بالموسم الخاص بالولي»، كل حسب طلبه ومقصده، والمقصد غالبا ما يكون فك «العكس» و «التابعة» وفسخ السحر المعمول للزائر، وعلى هذا الأمل تقدم القرابين والعطايا لأهل المكان الذين يسكون الضريح، عطايا في مجموعها السنوي تبلغ ملايين السنتيمات، توزع على أحفاد الولي والقائمين على ضريحه.. «أسرة مغربية» حاولت التوغل في هذا العالم الغامض والمتشابك الذي يجمع بين ما هو مادي وما هو غيبي، عالم تتشابك خيوطه بين الجانب الديني والعلاجي وبين ممارسة الفحشاء والرذيلة على عتباته من سكر وزنى وغيره.. وأيضا استخراج الكنوز والدفائن من تحت قبور أولئك الأولياء في عتمة الليل ورغما عنهم..
لو ذهبت شمالا أو جنوبا، شرقا أو غربا، حتما ستجد وليا من أولياء الله الصالحين مدفونا في بقعة من بقاع المغرب، وستجد أناسا تحملوا مشقة السفر وقطعوا أميالا للوصول إليه علهم يجدون ضالتهم ويشفون ببركة الضريح.. عند باب الضريح تصادف شيخا بلغ من العمر عثيا أو عجوزا وصلت إلى أرذل العمر، هؤلاء هم سدنة الضريح وحراسه، الذين وهبوا أنفسهم لخدمة الولي المدفون تحت القبة مقابل ما يجود عليهم الزوار من مال وطعام، وهو ما نسميه «بالفتوح» الذي لا تتحصل بركة الضريح إلا به، فبهذا «الفتوح» يحصل الزائر على سيل من الأدعية الممزوجة بطلاسم وعبارات غريبة تدخله في الجو العام للمكان وتهيئه نفسيا لتقبل فكرة «بركة الولي وكرامته»..
زوار من مختلف الأعمار والفئات الاجتماعية، أناس بسطاء ودكاترة ومثقفون.. نساء ورجال الكل سواسية في حضرة الضريح، حيث تتلاشى الفروقات الاجتماعية لتحل محلها سلطة سدنة الولي وخدامه الذين يرتبون طريقة الدخول على حضرة السيد، وقبل الدخول يطالبونك بإهدائه الشموع علها تنير دربك ويأمروك بطلب «التسليم» لقضاء حاجتك.. طقوس كثيرة ومتنوعة تختلف من ضريح لآخر، لكن كلها تجتمع في إهداء حيوان ما للضريح وذبحه وإسالة الدم على عتباته، من ديك له مواصفات خاصة، إلى شاة وخروف وانتهاء ببقرة ذلول لا شية فيها.. ولكي تكتمل البركة لا بأس في التمسح بمرقد الضريح والتماس مدده وبركاته كي يشفع لك عند المولى عز وجل، رغم أن الله لم يضع بينه وبين السائل وسيط «وإن سألك عبادي عني فإنني قريب أجيب دعوة الداعي إدا دعاني».. صدق الله العظيم.
أزمور بين بوشعيب «عطاي العزارى» وعائشة «واهبة الأزواج»
نحن الآن في الطريق إلى مدينة أزمور التي لا تبعد عن مدينة الجديدة إلا ببضع كيلومترات، هذه المدينة الساحلية تضم ثلاثة من أشهر الأضرحة بالمغرب هي مولاي بوشعيب ولالة عيشة ولالة يطو، ولكل ولي قصة وكرامات فمولاي بوشعيب أو «عطاي الدراري» تقصده النساء العاقرات أملا في الإنجاب، من هؤلاء النسوة الأملات بإنجاب طفل يكمل فرحتهن التقينا بمينة 48 سنة، التي تؤمن أشد الإيمان بأن لابنها لم يهبه لها إلا مولاي بوشعيب، تقول «مر على زواجي عشرون سنة، لم أدع خلالها باب طبيب أو عشاب إلا وطرقته، لكن دون جدوى.. إلى أن قابلت إحدى السيدات في الحافلة التي أخبرتني بأنها كانت تعاني من نفس المشكل، لكنها بعد زياراتها المتكررة لمولاي بوشعيب وتفويض الأمر له رزقت بمولود ذكر بعد أن أيأسها الأطباء من حالتها».. تسترسل مينة «أخبرت زوجي بالقصة لكنه لم يقتنع في البداية، غير أنني ألححت عليه… شددت الرحال بمعية جارتي إلى الولي الصالح.. كان يساورني بعض الشك غير أن أحد شريفات المزار نبهتني إلى ذلك بعد أن ولجت باب السيد، إذ خاطبتني مباشرة «سلمي سلمي باش تفوزي بمقصودك».. أرعبتني كلماتها, ذهلت من ذلك، فلم أجد أمامي إلا تفويض أمري لمولاي بوشعيب والبكاء بحرقة عسى أن يستجدي ذلك عطفه، ثم دخلت في نوم وراحة لم أحس بهما من قبل، ولم أصح إلا على قول إحدى حارسات المزار ممن يدعون بالشريفات «مبروك لصحاب التسليم».. مر شهرين على زياراتي للضريح، فوجئت بظهور أعراض الحمل.. لم أصدق في البداية غير أنني بالذهاب إلى الطبيب أكد لي ذلك، لأرزق بابني الذي اختارت له شريفات المزار اسم «الرداد»، فما كان مني إلا أن امتثلت لأوامرهن على الرغم من أن زوجي كان يريد اسما آخر، فتسمية المولود باسم مغاير لما أمر به الولي حسب الشريفات وبعض الزائرين يثير غضبه، وقد يأخذه منا كما أعطاه لنا»..
غير بعيد من ضريح مولاي بوشعيب ينتصب مزار لالة عيشة البحرية، تلك الفتاة البغدادية التي قدمت من بغداد في رحلة عبر البحر للبحث عن الولي الصالح مولاي بوشعيب الرداد الذي انتشرت أخبار زهده وكراماته، وكانت قد تعرفت عليه أثناء مقامه في بغداد حين كان يتابع دراسته لأصول الشريعة الإسلامية فتعلقا ببعضهما البعض، غير أنهما فوجئا برفض زواجهما.. فعاد مولاي بوشعيب يجر أديال خيبته إلى قريته بأزمور، وما لبثت لالة عيشة أن عقدت عزمها على لقاء الحبيب حين شدت الرحال إليه، ولما بلغت أطراف الشاطئ بمصب وادي أم الربيع أدركها الموت غرقا دون أن تنال حظوة اللقاء به، فدفنت هناك ليشيد ضريح أسطوري على قبرها، فيما أصيب مولاي بوشعيب بحسرة كبيرة، قرر على إثرها أن يعيش بقية حياته أعزبا, وإذا كانت الحياة قد فرقتها، فإنهما يشتركان في المنح والعطايا، فإذا كان مولاي بوشعيب يمن بالأبناء، فإن عائشة تكرم زائراتها ومريداتها بالأزواج، بعد أن حرمها الزمان من حبيبها.
رجاء والرجاء في بركة لالة عائشة البحرية
لا شك أن أمر الزواج يشغل بال الكثير من الفتيات اللواتي يخفن أن يفوتهن قطاره، وهو حال رجاء، التي التقيناها قرب الضريح، وهي فتاة تجاوزت عقدها الثالث بقليل، تمتلك تعليما جيدا وعملا قارا ومستوى جمالي لابأس به، كغيرها ممن سمعن ببركات لالة عيشة، حيث نصحت إحدى الجارات أمها بحملها إلى لالة عائشة لتزيل عنها لعنة «الثقاف» الذي يمنعها من الزواج، حسب الجارة، وبأمل أن تنالها بركتها وتغدق عليها بزوج من السماء؟! تقول رجاء «رغم أنني لم أكن أؤمن بهذه المعتقدات، نظرا لمستواي التعليمي، إلا أن هنالك شيئا داخليا يؤكد لي بأنني مخطئة.. فأنا أحس في داخلي بأن زيارتي لمقام لالة عيشة سيقدم لي الزوج المناسب قريبا، فبدأت أداوم على زيارتها، ولم أيأس لأن من سبقنني وقضي مرادهن نصحنني بالصبر وعدم اليأس»…
لالة اطو.. مرودة الرجال
على بعد كيلومتر واحد من شاطئ لالة عيشة البحرية، يظهر في الأفق ضريح يبدو أشبه بكوخ يتوسط طبيعة منسية وبيتا هامشيا، إنه ضريح لالة يطو المعروفة بأم السعود، حيث يتوافد النساء على الضريح ويشرعن بممارسة طقوس الزيارة التي تبدأ باقتناء الشموع وبعض من البخور، تم يتجهن إلى القيمة على الضريح قصد إتمام المراسيم، حيث يقدمن ثوبا أبيض لها فتضع فيه بعض الأعشاب والبخور لتأمر كل امرأة بتمرير الثوب الذي جلبته معها على خصرها والأماكن الحميمية من جسدها، بعدها تنزل النسوة إلى زاوية من الضريح الذي هو عبارة عن قبو مكشوف تحت الأرض به فرن طيني حيث تحرق النسوة فيه ذلك الثوب وما بداخله.. وما أن تلتهم النيران القماش حتى تزيل صاحبته خمار رأسها لتمرره فوق الفرن مرددة من الكلمات ما يفيد بأن يعود زوجها الغائب أو المتمرد أو الهاجر بيت الزوجية أو بما يفيد رغبة الزائرة بزواجها من شخص تستحضر اسمه، وبعدها تجمع شعرها في شبه حركات الجذبة وطقوسها، وفي هذه الحركة حسب المعتقد ما يجعل الزوج أو الشخص المرتقب يعود ويطيع المرأة التي قامت بزيارة لالة يطو؟!
سيدي عبد الرحمن.. ولي البيضاء المشهور
بعد يوم طويل في حضرة أولياء أزمور الثلاثة، حملنا أمتعتنا للعودة للبيضاء، العاصمة الاقتصادية للمملكة، كنا نعتقد أن هذه المدينة التي إيمانها الأول والأخير المال والاقتصاد لا تحتوي أضرحة ومزارات، لكننا كنا مخطئين فهذه المدينة العملاقة تحتوي العديد من الأضرحة، لعل أشهرها سيدي عبد الرحمن الذي يقع سيدي في أعلى مرتفع صخري، في شكل شبه جزيرة يقطعها البحر عن اليابسة عند المد, وبحكم تواجده عند الضاحية الجنوبية للدار البيضاء، لا ينقطع إقبال الوفود عليه على امتداد الأيام والفصول، وكما لكل ضريح طقوسه، فإن سيدي عبد الرحمن يتميز هو الآخر بطقس «التفوسيخ باللدون» أي إبطال مفعول السحر من خلال التبخر ببخار الرصاص المصهور، حيث تضع «الشوافة» أي العرافة الرصاص في إناء معدني فوق نار موقدة، وبعد دقائق يتحول اللدون إلى سائل ثقيل تفرغه في إناء ماء موضوع بين رجلي الشخص المنتصب وقوفا، فيتصاعد منه بخار ويتشكل ذلك اللدون على أشكال متنوعة، فتتناوله لتقرأ في ثقوبه وتجاعيده ملامح مستقبل زبونها وأسباب تعاسته، كما تشترط عليه «الشوافة» الاغتسال في الخلوة بماء «سبع أمواج»..
بركات «مول المجمر»…
جموع كثيرة من الزائرين، أغلبهم من النساء، يتوافدون إلى سيدي عبد الرحمن أو «مول المجمر» قصد نيل بركته، في مشهد يومي يتكرر على طول الطريق المؤدي إلى السيد، هذه المسيرة لا تخلو من معاكسة الشباب على طول الطريق المؤدي إليه، بمزاح بعضهم مع بعض الفتيات بأنه مستعد للزواج بهن دون الحاجة للذهاب إلى الضريح، أما البعض الآخر فيصل بهم الاستهزاء بالفتيات القاصدات بركة الضريح بقولهم لن يتزوجن حتى وان قام السيد من قبره..
ياسمين، مهاجرة مغربية من إيطاليا, جاءت رفقة خالتها لتغتسل بدورها داخل الضريح، علها تتخلص من سوء الطالع وتظفر أخيرا بعريس غني.. تقول ياسمين «رغم أنني من المغرب وزرت مرات عديدة البيضاء إلا أنني لم أصادف أن سمعت ببركة مول المجمر إلا بإيطاليا.. (تضحك) فهو مشهور بين المغربيات هناك، حيث أخبرتني مهاجرة بإيطاليا أن ماء سبع أمواج «بمول المجمر» كفيل بأن يجعل الخطاب يتسابقون عليك، وأكدت لي ذلك بقولها إن لها قريبة سنها أزيد من أربعين سنة، تزوجت بعدما اغتسلت بمقام سيدي عبد الرحمن».
مكان الاغتسال والتخلص من «النحس» و«الثقاف»
بغرفة مساحتها حوالي ستة أمتار مربعة، توجد سلة ممتلئة بالملابس الداخلية المهملة إلى جانب ماء «سبع أمواج» معد كي تغتسل منه الزائرات الراغبات في طرد جميع مخلفات الأذى البشري من «النحس» و «الثقاف» وغيره… تسأل امرأة ستينية مشرفة على عملية اغتسال النساء زائرتان هل تريدان الاغتسال؟ تجيبانها بتردد: نعم، تدخلان الغرفة، يسمع صراخهما، لأنهما لم تتحملا الماء البارد.. وبعد خروجهما سألناهما: كم الثمن؟ فأجابتهما: خمسة دراهم للواحدة و«الفتوح» الخاص بماء «سبعة أمواج» الذي لا يحدد ثمنه، الكل حسب استطاعته.. وحول طريقة الاستحمام، تقول الزائرتان: «تطلب منا المشرفة أن ننزع ملابسنا، ثم تصب علينا الماء، وبعدها تطلب منا إزالة الملابس الداخلية ورميها في سلة خصصت لذلك».
لا يقتصر الاستحمام بسيدي عبد الرحمن على النساء، بل يشمل حتى الرجال، فهم أيضا يستحمون به، تقول إحدى المشرفات على المكان: «منذ سنوات وسيدي عبد الرحمن معروف ببركته في فك «الثقاف» و «التابعة» و«العكس» و«حسد الرجال»، ومعالجة الضعف الجنسي والمساعدة على الزواج والإنجاب».. وتضيف «إلا أن الضريح لم يعد يجود ببركاته كما كان سابقا، بفعل ما أضحى يعرفه من أعمال الشعوذة والسحر والدعارة ومعاقرة الخمر.. للأسف بدأ سيدي عبد الرحمن يفقد بعض بريقه وشهرته، نظرا إلى المظاهر التي رافقت هذا الولي، كالسرقة وتعاطي المخدرات في حضرة الضريح، وانتشار خبر اعتقال متهم كان يبيع «المرفودة»، وهي عبارة عن دجاج بلدي كان الزوار يذبحونه فوق الصخر بعد رميه في إحدى الحفر القريبة من الضريح، إذ كان المشتبه فيه يجمعه ليبيعه في سوق شعبي في الحي الحسني..
المزارات والأولياء.. الوجه الآخر
يبدو أن بركات الأولياء ليست مجانية، فلكل خدمة ولكل غرض ثمنه، ورجاله الذي يسهرون عليه هم المستفيدون من بركاته المادية، بالإضافة إلى الباعة المنتشرين بجوار الضريح والنقاشات وحارس السيارات.. فاقتصاد الضريح يبدأ من مدخله بالباعة وحراس السيارات، وينتهي بالموارد المالية للزوايا والأضرحة التي تستفيد منها سلالة الولي والقائمون على شؤون الضريح، حيث يتناوب سلالة الولي – بعد اقتتطاع مصاريف الضريح – تباعا على الاستفادة من الأموال التي تدخل صندوق الضريح من مداخيل الزيارات اليومية والمناسبات الدينية وإيرادات عيادات العلاج والاستشفاء.. حيث تكمن وظيفة «مقدم الزاوية»، أو سادن الضريح «الحفيظ»، في توزيع الحصيلة اليومية على المعنيين بحضور جميع الأحفاد، خلافا لصندوق الزاوية، الذي يتكلف به مقدمها..
وتعول أغلب الأضرحة على مداخيل السياحة الدينية والهبات المتعددة التي تتلقاها من عدة جهات، أهمها الهبات الملكية والمداخيل المستخلصة من عمليات العلاج والاستشفاء، ويزيد من وفرة هذه المستخلصات الطريقة العصرية المتبعة في تنظيم هذه الموارد وتوزيعها حسب مستحقيها، إذ يتم تسجيل هؤلاء في سجلات ملفات خاصة، كما يتوفرون على بطائق للاستفادة تمكن من عقلنة توزيع المداخيل.. أما عن دور وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في إنعاش اقتصاد الأضرحة فإن دورها ينحصر في أداء أجور أئمة وقيمي المساجد التابعة للضريح، وغيرها من المصاريف التي تستفيد منها المساجد الأخرى، لتبقى مصاريف الضريح عالة على ما يتلقاه حفدة الولي من إحسان، ومدى تصريف مقدار هذا الإحسان من لدن هؤلاء، ليبقى الدور الحقيقي للنظارة محصورا في مراقبة ما يقام في هذه المقرات من ممارسات دينية، إلى جانب التدخل لحل النزاعات، التي قد تحدث بين الحفدة عند توزيع «الفتوح» أو المداخيل.
أضرحة الأولياء ملاذ للكنوز..
بعيدا عن بركات الضريح وكرامات الولي المدفون فيه، ونحن نقوم بهذا الملف سمعنا عن الكنوز المدفونة في بعض الأضرحة والتي تعرضت للسرقة بفعل المنقبين عن الكنوز وسارقي الأضرحة، ومن بين هذه الأضرحة المنبوشة قبر الولي الصالح سيدي ميمون بدوار اشارويذن ضواحي قرية أركمان، بعدما لاحظ مرتادو الضريح نبش القبر وتعرية بقايا هياكل عظمية أدمية بداخله نتيجة ذلك من طرف مجموعة من اللاهثين خلف الكنوز الذين تملكهم هوس الثراء.. قبر سيدي ميمون ليس الوحيد بل قبور أولياء آخرين حلم نابشوها بالحصول ما يخلق ثراءهم، وبالفعل فقد تحققت أحلام بعضهم كما تفيد بذلك الروايات ومن ذلك سرقة كنز من قبر الولي الصالح سيد الكبير بنواحي الشماعية، والذي يبقى فريدا من نوعه، حيث يحكي زوار الضريح وساكنة الدوار المقام وسطه الضريح أنه في ليلة من الليالي المظلمة «أتى الضريح رجلان برفقة زوجتيهما لا يرى عليهما أثر السفر، يرتديان ملابس تقليدية قديمة، قالا أنهما أتيا طلبا لبركة الولي وطلبا ضيف الله، والمبيت بجوار الضريح، وكما جرت العادة فقد بات الرجلان برفقة الرجال بالضريح، فيما باتت زوجتيهما بين نساء الدوار, وقد قضى الزوار ليلتهم بالضريح وأفطروا صباحا مع ساكنة الدوار الذين أكرموا وفادتهم, ليتفاجأ حفيظ القبر صباحا بعد مجيئه من خلال معاينته بوجود تراب على ملاءة القبر، وعند رفع عينيه إلى قبة الضريح فوجيء العريف بوجود حفرة في أعلى القبة من الداخل على شكل مربع، مما استنتج من أن كنزا سرق، ربما كان يحتوي على الياقوت أو ربما قطعا ذهبية أو عملات نقدية قديمة.. والتي كثيرا ما تداولت الروايات الشعبية بالدوار وجودها, وعلى أن الضيوف ما هم إلا محترفو استخراج الكنوز، ورغم وجود أماكن محفورة في الحائط من أجل وضع الشمع إلا أنها ليست مناسبة لتلسق تلك النقطة في الوسط، فكيف لأناس بسطاء أن يتسلقوا ذلك الحائط الأملس؟ بالإضافة إلى ذلك يحكي غير واحد ممن بات ليلته في الضريح على أنه لم يشعر بشيء، وبأن سحرا ما فعل بهم كي لا يحسوا بشيء, وسط حسرة كبيرة من الجميع , غير «أن العملية تبقى أفضل إذا ما قورنت بعمليات نبش القبور التي تتم موسميا من أجل الحصول على ثروة سريعة» يقول عادل بيدان مختص في التاريخ، والذي سألناه عن أسباب إيداع الناس قديما لأموالهم بهذه الأضرحة، فأجاب بأن «سبب ذلك يعود إلى القدسية التي كان يحظى بها الولي، وعدم تجرأ أحدهم على نبش قبره وإلا أصابته اللعنة، وكذلك نتيجة لبعض الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية من حروب وانتشار العصابات في بعض فترات سقوط بعض الدول التي تعاقبت على المغرب، حيث كان ضريح الولي المكان الأنسب لمواراته عن أعين الناس، بل أكثر من ذلك، هنالك بعض القبور التي يعتقد أنها لبعض الأولياء، وهي ليست كذلك، فبناء على بعض الأبحاث وجد على أن قبر الولي في مكان آخر غير ذلك الذي يقصده الناس، والذي غالبا ما يخبئ به أحد الأشخاص كنزا أو ما شابه, إلا أن ذلك يبقى في حدود الاستثناء, ومن المسائل التي أصبحت تلاحظ مؤخرا هو بروز عصابات متخصصة في نبش قبور الأولياء من مهندسين طبوغرافيين وعلماء أثار ومسؤولين كبار… مما يطرح أكثر من علامة استفهام حول من يحمي أضرحة بعض الأولياء من عبث العابثين.. خصوصا أنها لا تشكل قيمة دينية فقط، بل قيمة تاريخية وإنسانية بالدرجة الأولى»..
الأولياء الجدد: ويستمر عصر الأولياء بالمغرب؟!
من عجائب المغرب أن أرضه لا تنضب من أصحاب البركة الذين يدعون ويدعي الناس قدرتهم على شفاء بعض الأمراض أو جلها، والتي عجز الطب الحديث عن علاجها بلمسات من ذاتهم «الشريفة المباركة», بل تكاد لا تجد حيا أو دوارا إلا وبه شخص تداعى له الناس بالشفاء، وصار مقصدا ومطلبا وتداعت له الجموع ممن يبحثون عن خوارق خرافية لتخليصهم من آلامهم مقابل دريهمات رمزية مثل «سي محمد.. وهو رجل ذائع الصيت بسيد الخضير، يشاع معالجته لآلام المفاصل بدقات من أصبعه على مفصل المريض بعد أن يقوم بوضعه على الفرن في درجات حرارة حارقة، لتتم عملية الشفاء, حيث أصبح محله المتواضع الذي يكتريه قبلة لمجموعة من الذين يبحثون عن علاج لآلام مفاصلهم مقابل دريهمات قليلة أو «الفتوح» الذي يتراوح غالبا بين الخمس والعشرة دراهما.. أما مجيد والذي ورث من أبيه شفاء آلام مرض الروماتيزم أو «بوزولوم» ومغض المعدة وغيرهما, فبركته في باطن قدمه.. فبعد أن يضعها على مجمر ملتهب يقوم بوضعها على المكان المصاب لتتكفل له بالشفاء.. ويصرح مجيد على أن من بين الذين نالوا بركة قدميه شخصيات فنية واقتصادية معروفة، منها المرحومة الحاجة الحمونية وغيرهم..
أما الحاجة فاطنة، وهي امرأة بلغت من الكبر عتيا، فإنها لا تبدل مجهودا سوى بعض «البخات» من فمها التي تكون كفيلة بشفاء جميع الأمراض, فإذا كان المريض مصابا باللوزتين فإن نفخها على عنقه كفيلة بشفائه، وإذا كان مصابا بحروق فإن نفخات من فمها كفيلة بإزالة الألم عنه, وتحكي خديجة عن قصة شفائها من انتفاخ اللوزتين بفضل الحاجة فاطنة تقول «بعد أن زرت الحاجة فاطنة وكنت لا أقدر على الكلام بفعل انتفاخ اللوزتين قامت «بالبخ والتفال» على عنقي بالكامل، وأمرتني أن لا أمسحه.. وفعلا فعلت ما طلبت بعد أن أديت لها خمسة دراهم, وبعد استيقاظي من نومي فوجئت بشفائهما».. تضيف مستطردة «حقا البركة موجودة، ولا يعرف حقيقتها إلا المجرب»..
مكي الصخيرات آخر الأولياء الجدد؟!
في السنوات الخمس الأخيرة، برز اسم المكي الترابي كرجل صاحب كرامات.. وهو خمسيني أصلع الرأس، رياضي البدن، يسكن ضيعة فلاحية بمدينة الصخيرات القريبة من الرباط.. كرامات هذا الرجل التي تعدت حدود المملكة تتلخص في قدرته الشفائية العجيبة والمتمثلة باللمس؟! فبلمسة ساحرة من يديه «المباركتين» تزول الأمراض بما فيها السرطان؟!
عندما بدأ صيته في التداوي ينتشر صار الناس يتقاطرون على بيته صبيحة كل يوم بالآلاف شيبا وشبابا، رجالا ونساء، متعلمين وأميين، ومن كل حدب وصوب.. حيث يصطفون أمام مرآب بيته في انتظار أن يخرج عليهم «الشريف» من أجل شفائهم..
ويعتمد في علاجه لمرضاه مهما كان المرض الذي بهم على المصافحة باليد، ولمس قنينة ماء، يواظب المريض بعد ذلك على شرب مائها بين فينة وأخرى، ثم يسلم على المريض مرة ثانية بعد أن يكون قد وقف في الصف من جديد؟!
وعن كيفية علاجه يدعي المكي أنه في المرة الأولى يسرب الطاقة من جسده إلى المريض، وفي المرة الثانية يأخذ منه مرضه وألمه ليسربهما في جسميه؟! أناس كثر آمنوا بحقيقة قدرة المكي الشفائية، رغم مهاجمة الأطباء له واتهامهم له بكونه السبب في تأخر حالات العديد من مرضاهم والتعجيل في قتلهم بعدما قطعوا العلاج الطبي والكيماوي واتبعوا طريق المكي الزائفة.. إلا أن المكي يدافع عن نفسه في مناسبات كثيرة ويتحدى الأطباء بقدرته الشفائية، ويتحدث في أكثر من مناسبة عن شفائه لأمراء وساسة وأثرياء ومثقفين مغاربة وعرب من أمراض السرطان، والسيدا، والشلل.. وينصب نفسه وليا من أولئياء الله من تحل بركته غير ضريح؟! ومن يدري.. فقد يأتي يوم من الأيام فنسمع عن ضريح «سيدي المكي الترابي» يفعل فيه ما يفعله المتوهمون بكثير من القبور الأضرحة؟!
رأي علم الاجتماع
سعيد كودان: ذ.أستاذ باحث في علم الاجتماع
صارت الأضرحة خيارا للعيش وملاذا للناس للبحث عن تلبية حاجيات كان من الواجب أن تقوم بها مؤسسات صحية عمومية
أولا، هذه المعتقدات ليست دخيلة على المغرب، بل تعتبر ظاهرة متجذرة في المجتمع المغربي والبشري، ولها امتداد تاريخي، حيث جاءت من المنطقة المتوسطية ومن بلاد اليونان تحديدا، إذ تداولت أساطير عديدة قوى بعض الشخصيات الأسطورية الميتة على علاج بعض المصابين بأمراض مختلفة، حيث التقت حضارات شعوب مختلفة بكل معتقداتها نتيجة القوافل التجارية، وحدث التلاقح الثقافي بشكل أو بآخر, ورغم دخول الدين حياة الناس فإن الشعوب تغير الأديان بتشكيل ملامح تدينه وفق حاجاته الوجودية والاجتماعية، حيث لعبت ظروف عدة في تكريس هذه الوضعية الاجتماعية؛ ومن ذلك ضعف المستوى التعليمي أحيانا وغياب دور فعال للدولة في أداء واجبها في توعية أفراد المجتمع، بالإضافة إلى غياب سياسة ناجعة في مجال التغطية الاجتماعية والتطبيب لفائدة المواطنين، الذين يضطرون بحكم ضعف القدرة الشرائية وغلاء فاتورة الخدمة في المجال الطبي إلى البحث عن وسائط وبدائل بقصد الاستشفاء من أمراض تكون مستعصية أحيانا حتى على المستشفيات سواء الخاصة منها أو العامة, ومسألة التجدر التاريخي والثقافي في الاعتقاد، لدى شرائح مختلفة من أفراد المجتمع، ببركة الأضرحة، يتحكم فيه عامل الوعي ومستواه لدى كل شريحة على حدة، وبمستويات متفاوتة، فمسألة ارتياد الأضرحة لا تقتصر على فئة بعينها، ولكنها تشمل شرائح مختلفة من المجتمع، وإن كانت نسبة الإقبال تضعف أو تتقوى لدى هذه الفئة أو تلك, وأؤكد من جديد هنا على أن الامتداد التاريخي لظاهرة زيارة والتبرك الأضرحة بالمغرب، ينفي ما يقول به البعض من كون ذلك مصدره الانفتاح الذي تعرفه بلادنا على مختلف الأصعدة، وبأنه نتاج للمد الثقافي الشيعي، والذي تكرسه عوامل نفسية واجتماعية متشابكة، وهو ما نلمسه من خلال حركات وسكنات وتصرفات المتبركين الغريبة، الذين يعتقدون بالانتماء النبوي العريق للراقدين تحت الثرى بهذه الأضرحة، ما ساعد على الثقة العمياء في بركة الأضرحة.. التي أصبحت خيارا، من بين خيارات واستراتيجيات أخرى للعيش وملاذا لهؤلاء للبحث عن تلبية حاجيات كان من الواجب أن تقوم بها مؤسسات صحية عمومية, أما بخصوص الإقبال على بعض الأشخاص الأحياء المعتقد في بركتهم فإن ذلك لا يخرج عن دائرة الأسباب السابقة، وما يمكن أن نضيف إلى ذلك هو تخلي الأطباء عن الجانب أو التحفيز النفسي في معالجة مرضاه أمام كثرة الحالات من جهة ولشجعهم ونظرتهم التجارية والمبالغ الكبيرة لأدوية لبعض الأمراض المستعصية من جهة أخرى, بالإضافة إلى ما يستتبعه علاجها من إجراء تكاليف باهظة الثمن ليست في استطاعة بعض شرائح المجتمع، ما يسر الأمر على بعض المدعين بالبركة والشفاء بحكم أنه الأمل الوحيد للمريض المهزوم نفسيا.
رأي الدين
ذ.محمد قلو باحث في الدراسات الإسلامية
للأسف صرنا نشاهد كثيرا من الناس يتورطون في السقوط في وحل الشركيات من خلال زياراتهم لبعض أضرحة أولياء والتبرك بهم واستمالتهم للشفاء..
هذه الظواهر كارثية بجميع المقاييس، يتواطأ عليها العديد من الأطراف بشكل أو بآخر، بالدعاية المجانية للأضرحة من طرف بعض الأشخاص الذين يستفيدون من عائداتها وإكراميات من بعض مدعي البركة والولاية، وللأسف صرنا نشاهد كثيرا من الناس يتورطون في السقوط في وحل الشركيات من خلال زياراتهم لبعض أضرحة أولياء المغرب الذين قضوا حياة الجهاد الأكبر بمجاهدة النفس وتحصيل العلم وتلقينه والذين هم براء مما يفعل بأضرحتهم من لجوء كثير من الناس إليها بغرض وتوجه الشفاء أو تحقيق بعض الأغراض والمتمنيات بانقياد تام أمام يسميه العامة من المغاربة «التسليم» أو «النية»، كما تعرف كثير من المزارات مجموعة من الطقوس الشركية تتجلى في ذبح الذبائح بطرق غير شرعية لغير الله تعالى لا وبل وإراقة الدماء على جدران القبور واستخدام بقايا الذبائح في أعمال سحر يستخدم فيها مردة الجان والشياطين، بالإضافة إلى التمسح بالضريح وتقبيله وحمل ترابه والتبرك به والسجود له أحيانا، واستلام أركانه والطواف حوله، والنذر لأهله وتعليق الآمال بهم، والتوسل إليهم بالله ليقضوا لسائليهم مع أن الميت قد أنقطع عمله، ولا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا، فكيف لمن استغاث به أو سأله قضاء حاجته أو سأله فالميت أحوج إلى من يدعو له ويترحم عليه، ويستغفر له أن يشفع له إلى الله فيها، والله تعالى لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه وقد أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم إذا زرنا قبور المسلمين أن نترحم عليهم ونسأل لهم العافية والمغفرة، على عكس المظاهر الشركية الوثنية، التي سلكت بنا درب الرجوع إلى شركيات أبي جهل وعبادة الأصنام البشرية, وعن تقديس والتحدث ببركات بعض الأشخاص فلقد اتفق الأئمة بقولهم: «لو رأيتم الرجل يطير في الهواء أو يمشى على الماء، فلا تغتروا به، حتى تنظروا وقوفه عند الأمر والنهي»، فكم من شخص يدعي أنه ولي ما هو إلا كذاب ساحر استغل سذاجة البعض ببعض خرافاته. وقد ترامى إلى علمي أن ممن يدعون الولاية حاليا والقدرة على شفاء الناس بأنهم من المفرطين في الصلوات, وبأنه كثير السب واللعن- والطامة الكبرى هي سب الرب جل وعلا, هذا هو الظاهر أما ما خفي فهو أعظم, وهو نموذج ينطبق على كثير من دعاة البركة والشفاء الجدد, مما نستجلي معه أن هؤلاء الأشخاص ما هم إلا محتالون يمارسون سحر إيهام الناس بمعالجتهم عن طريق الإيحاء النفسي أو بتسخير الجن في بعض الحالات, وهو ما يستوجب تدخل الهيأة المسئولة عن تأطير الحقل الديني المغربي، خاصة أن كثيرا من الناس اختلطت عليهم الأمور ووقعوا عن غير قصد في أوحال الشركيات لإيصاد بابها المشرع.